71- ولو كان الحق تابعاً لأهوائهم لشاع الفساد في الأرض ولتنازعت الأهواء ، ولكنا أرسلنا إليهم القرآن الذي يُذَكِّرهم بالحق الذي يجب أن يجتمع عليه الجميع ، ومع ذلك هم معرضون عنه{[144]} .
قوله تعالى : { ولو اتبع الحق أهواءهم } قال ابن جريج و مقاتل و السدي وجماعة : الحق هو الله ، أي : لو اتبع الله مرادهم فيما يفعل ، وقيل : لو اتبع مرادهم ، فسمى لنفسه شريكاً وولداً كما يقولون : { لفسدت السموات والأرض } وقال الفراء و الزجاج : المراد بالحق القرآن أي : لو نزل القرآن بما يحبون من جعل الشريك والولد على ما يعتقدونه { لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } وهو كقوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } . { بل أتيناهم بذكرهم } بما يذكرهم ، قال ابن عباس : أي : بما فيه فخرهم وشرفهم ، يعني القرآن ، فهو كقوله تعالى : { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم } أي : شرفكم ، { وإنه لذكر لك ولقومك } أي : شرف لك ولقومك . { فهم عن ذكرهم } يعني عن شرفهم . { معرضون* }
{ ولو اتبع الحق أهواءهم } بأن كان في الواقع آلهة شتى . { لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } كما سبق تقريره في قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } . وقيل لو اتبع الحق أهواءهم وانقلب باطلا لذهب ما قام به العالم فلم يبق ، أو لو اتبع الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة وأهلك العالم من فرط غضبه ، أو لو اتبع الله أهواءهم بأن أنزل ما يشتهونه من الشرك والمعاصي لخرج عن الألوهية ولم يقدر أن يمسك السموات والأرض وهو على أصل المعتزلة . { بل أتيناهم بذكرهم } بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو صيتهم ، أو الذكر الذي تمنوه بقولهم { لو أن عندنا ذكرا من الأولين } وقرئ " بذكراهم " . { فهم عن ذكرهم معرضون } لا يلتفتون إليه .
وقوله تعالى : { ولو اتبع الحق أهواءهم } قال ابن جريج وأبو صالح { الحق } الله تعالى ع وهذا ليس من نمط الآية ، وقال غيرهما { الحق } هنا الصواب والمستقيم
قال أبو محمد رحمه الله :وهذا هو الأحرى ، على أن يكون المذكور قبل{[8524]} الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، ويستقيم على هذا الفساد ، { السماوات والأرض ومن فيهن } لو كان بحكم هوى هؤلاء ، وذلك أنهم جعلوا لله شركاء وأولاداً ولو كان هذا حقاً لم تكن لله الصفات العالية ، ولو لم تكن له لم تكن الصنعة والقدرة كما هي ، وكان فساد { السماوات والأرض ومن فيهن } ، ومن قال إن { الحق } في الآية الله تعالى بشعت له لفظة { اتبع } وصعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية لأن لفظة الاتباع على كلا الوجهين إنما هي استعارة بمعنى أن تكون أهواؤهم يصوبها الحق ويقررها فنحن نجد الله تعالى قد قرر كفر أمم وأهواءهم فليس في ذلك فساد سماوات ، وأما الحق نفسه الذي هو الصواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كل شيء فتأمله ، وقرأ ابن وثاب «ولوُ اتبع » بضم الواو وقال أبو الفتح : الضم في هذه الواو قليل والوجه تشبيههاً بواو الجمع كقوله { اشتروا الضلالة }{[8525]} [ البقرة : 16 ] وقوله { بذكرهم } يحتمل أن يريد بوعظهم والبيان لهم قاله ابن عباس ، وقرأ{[8526]} قتادة «نُذَكِّرهم » بنون مضمونة وذال مفتوحة وكسر الكاف مشددة{[8527]} ويحتمل أن يريد بشرفهم ، وهو مروي ، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق «بل أتيتُهم بذكرهم » بضم تاء المتكلم ، وقرأ ابن أبي إسحاق أيضاً «بل أتيتَهم » خطاباً لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقرأ الجمهور «بل أتينهم بذكرهم » وروي عن أبي عمرو و «آتيناهم » بالمد بمعنى أعطيناهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.