مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ} (71)

ثم بين سبحانه أن الحق لا يتبع الهوى ، بل الواجب على المكلف أن يطرح الهوى ويتبع الحق فبين سبحانه أن اتباع الهوى يؤدي إلى الفساد العظيم فقال : { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن } وفي تفسيره وجوه . الأول : أن القوم كانوا يرون أن الحق في اتخاذ آلهة مع الله تعالى ، لكن لو صح ذلك لوقع الفساد في السماوات والأرض على ما قررناه في دليل التمانع في قوله : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } . والثاني : أن أهواءهم في عبادة الأوثان وتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وهما منشأ المفسدة ، والحق هو الإسلام . فلو اتبع الإسلام قولهم لعلم الله حصول المفاسد عند بقاء هذا العالم ، وذلك يقتضي تخريب العالم وإفناءه . والثالث : أن آراءهم كانت متناقضة فلو اتبع الحق أهواءهم لوقع التناقض ولاختل نظام العالم عن القفال .

أما قوله : { بل أتيناهم بذكرهم } فقيل إنه القرآن والأدلة وقيل بل شرفهم وفخرهم بالرسول وكلا القولين متقارب لأن في مجيء الرسول بيان الأدلة وفي مجيء الأدلة بيان الرسول فأحدهما مقرون بالآخر ، وقيل الذكر هو الوعظ والتحذير ، وقيل هو الذي كانوا يتمنونه ويقولون : { لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين } وقرئ بذكراهم .