البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ} (71)

{ ولو اتبع الحق أهواءهم } قرأ ابن وثاب { ولو اتبع } بضم الواو والظاهر أنه { الحق } الذي ذكر قبل في قولهم { بل جاءهم بالحق } أي لو كان ما جاء به الرسول من الإسلام والتوحيد متبعاً أهواءهم لانقلب شراً وجاء الله بالقيامة وأهلك العالم ولم يؤخر قال معناه الزمخشري وبعضه بلفظه .

وقال أيضاً : دل بهذا على عظم شأن الحق ، فلو { اتبع أهواءهم } لانقلب باطلاً ولذهب ما يقوم به العالم فلا يبقى له بعده قوام .

وقيل : لو كان ما جاء به الرسول بحكم هوى هؤلاء من اتخاذ شريك لله وولد وكان ذلك حقاً لم يكن لله الصفات العلية ولم تكن له القدرة كما هي ، وكان في ذلك فساد السموات والأرض .

وقيل : كانوا يرون الحق في اتخاذ الآلهة مع الله لكنه لم يصح ذلك لوقع الفساد في السموات والأرض على ما قرر في دليل التمانع في قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا } وقيل : كانت آراؤهم متناقضة فلو اتبع الحق أهواءهم لوقع التناقض واختل نظام العالم .

وقال قتادة { الحق } هنا الله تعالى .

فقال الزمخشري : معناه ولو كان الله يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي لما كان إلهاً ولما قدر على أن يمسك السموات والأرض .

وقال ابن عطية : ومن قال إن { الحق } في الآية هو الله تعالى وكان قد حكاه عن ابن جريج وأبي صالح تشعب له لفظة { اتبع } وصعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية لأن لفظة الاتباع إنما هي استعارة بمعنى أن يكون أهواؤهم يقررها الحق ، فنحن نجد الله تعالى قد قرر كفر أمم وأهواءهم وليس في ذلك فساد سموات ، وأما نفسه الذي هو الصواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كل شيء فتأمله انتهى .

وقرأ الجمهور : بنون العظمة وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمرو ويونس عن أبي عمرو بياء المتكلم ، وابن أبي إسحاق وعيسى أيضاً وأبو البر هثيم وأبو حيوة والجحدري وابن قطيب وأبو رجاء بتاء الخطاب للرسول عليه السلام ، وأبو عمرو في رواية { آتيناهم } بالمد أي أعطيناهم ، والجمهور { بذكرهم } أي بوعظهم والبيان لهم قاله ابن عباس .

وقرأ عيسى بذكراهم بألف التأنيث ، وقتادة نذكرهم بالنون مضارع ذكر ونسبة الإتيان الحقيقي إلى الله لا تصح ، وإنما هو مجاز أي بل آتاهم كتابنا أو رسولنا .

وقال الزمخشري : { بذكرهم } أي بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أوصيتهم ، وفخرهم أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه ويقولون لو أن عندنا ذكراً من الأولين لكنا عباد الله المخلصين .