النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ} (71)

قوله : { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ } في الحق هنا قولان :

أحدهما : أنه الله ، قاله الأكثرون .

الثاني : أنه التنزيل أي لو نزل بما يريدون لفسدت السموات والأرض .

وفي إتباع أهوائهم قولان :

أحدهما : لو اتبع أهواءهم فيما يشتهونه .

الثاني : فيما يعبدونه .

{ لَفَسَدَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ } يحتمل وجهين :

أحدهما : لفسد تدبير السموات والأرض لأنها مدبرة بالحق لا بالهوى .

الثاني : لفسدت أحوال السموات والأرض لأنها جارية بالحكمة لا على الهوى .

{ وَمَن فِيهِنَّ } أي ولفسد من فيهن وذلك إشارة إلى من يعقل من ملائكة السموات وإنس الأرض . وقال الكلبي : يعني ما بينهما من خلق وفي قراءة ابن مسعود : لفسدت السموات والأرض وما بينهما . فتكون على تأويل الكلبي وقراءة ابن مسعود محمولاً على فساد ما لا يعقل من حيوان وجماد ، وعلى ظاهر التنزيل في قراءة الجمهور يكون محمولاً على فساد ما يعقل وما لا يعقل من الحيوان لأن ما لا يعقل تابع لما يعقل في الصلاح والفساد فعلى هذا يكون من الفساد يعود على من في السموات من الملائكة بأن جعلت أرباباً وهي مربوبة وعبدت وهي مستعبدة .

وفساد الإِنس يكون على وجهين :

أحدهما : بإتباع الهوى . وذلك مهلك .

الثاني : بعبادة غير الله . وذلك كفر .

وأما فساد الجن فيكون بأن يطاعوا فيطغوا .

وأما فساد ما عدا ذلك فيكون على وجه التبع لأنهم مدبرون بذوي العقول فعاد فساد المدبرين عليهم .

{ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ } فيه وجهان :

أحدهما : عنى بيان الحق لهم ، قاله ابن عباس .

الثاني : بشرفهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منهم والقرآن بلسانهم ، قاله السدي وسفيان .

ويحتمل ثالثاً : يذكر ما عليهم من طاعة ولهم من جزاء .

{ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعِرِضُونَ } فيه وجهان :

أحدهما : فهم عن القرآن معرضون ، قاله قتادة .

الثاني : عن شرفهم معرضون ، قاله السدي .