قوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانيةً أو مشركةً والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها ، فقال قوم : قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن ، وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب أناس من فقراء المسلمين في نكاحهن لينفقن عليهم ، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { وحرم ذلك على المؤمنين } أن يتزوجوا تلك البغايا لأنهن كن مشركات ، وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي ، ورواية العوفي عن ابن عباس . وقال عكرمة : نزلت في نساء بمكة والمدينة ، منهن تسع لهن رايات كرايات البيطار يعرفن بها ، منهن أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، فكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة ، فاستأذن رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول واشترطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله هذه الآية . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، وكانت بمكة بغي يقال لها عناق ، وكانت صديقة له في الجاهلية ، فلما أتى مكة دعته إلى نفسها ، فقال مرثد : إن الله حرم الزنا ، قالت : فانكحني ، فقال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقاً ؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد شيئاً ، فنزلت : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال لي : لا تنكحها " . فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصاً في حق أولئك دون سائر الناس . وقال قوم : المراد من النكاح هو الجماع ، ومعناه : أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا تزني إلا بزان أو مشرك ، وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ، ورواية الوالبي عن ابن عباس ، قال يزيد بن هارون : إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك ، وإن جامعها وهو محرم فهو زان ، وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول : إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان أبداً . وقال الحسن : الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود . قال سعيد بن المسيب وجماعة : إن حكم الآية منسوخ ، فكان نكاح الزانية حراماً بهذه الآية فنسخها قوله { وأنكحوا الأيامى منكم } فدخلت الزانية في أيامى المسلمين . واحتج من جوز نكاح الزانية .
أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أنبأنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، أنبأنا الحسن بن فرج ، أنبأنا عمرو بن خالد الحراني ، أنبأنا عبيد الله عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس . قال : طلقها ، قال : فإني أحبها وهي جميلة ، قال : استمتع بها . وفي رواية غيره فأمسكها إذاً " وروي أن عمر بن الخطاب ضرب رجلاً وامرأة في زنا وحرض أن يجمع بينهما فأبى الغلام .
{ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء ، فإن المشاكلة علة للألفة والتضام ، والمخافة سبب للنفرة والافتراق . وكان حق المقابلة أن يقال والزانية لا تنكح إلا من هو زان أو مشرك . لكن المراد بيان أحوال الرجال في الرغبة فيهن . لأن الآية نزلت في ضعفة المهاجرين لما هموا أن يتزوجوا بغايا يكرين أنفسهن لينفقن لأن الآية عليهم من أكسابهن على عادة الجاهلية ولذلك قدم الزاني . { وحرم ذلك على المؤمنين } لأنه تشبه بالفساق وتعرض للتهمة وتسبب لسوء القالة والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد ، ولذلك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة . وقيل النفي بمعنى النهي ، وقد قرىء به والحرمة على ظاهرها والحكم مخصوص بالسبب الذي ورد فيه ، أو منسوخ بقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } فإنه يتناول المسافحات ، ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ذلك فقال : " أوله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال " ، وقيل المراد بالنكاح الوطء فيؤول إلى نهي الزاني عن الزنا إلا بزانية ، والزانية أن يزني بها إلا زان وهو فاسد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.