المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

129- فإن أعرضوا عن الإيمان بك - أيها الرسول - فلا تحزن لإعراضهم ، واعتز بربك ، وقل : يكفيني اللَّه الذي لا إله غيره ، عليه - وحده - توكلت ، وهو مالك الملك ، ورب الكون ، وصاحب السلطان العظيم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

{ فإن تولوا } ، إن أعرضوا عن الإيمان وناصبوك الحرب { فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } . روي عن أبي بن كعب قال : آخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } إلى آخر السورة . وقال : هم أحدث الآيات بالله عهدا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

وهذه{[14041]} الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } أي : تولوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ، { فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ } أي : الله كافيَّ ، لا إله إلا هو عليه توكلت ، كما قال تعالى : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [ المزمل : 9 ] .

{ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } أي : هو مالك كل شيء وخالقه ، لأنه رب العرش العظيم ، الذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وَقَدَره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .

/خ129


[14041]:- في ت ، ك ، أ : "في هذه".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

والفاء في قوله : { فإن تولوا } للتفريع على إرسال النبي صلى الله عليه وسلم صاحب هذه الصفات إليهم فإن صفاته المذكورة تقتضي من كل ذي عقل سليم من العرب الإيمان به واتباعه لأنه من أنفسهم ومحب لخيرهم رؤوف رحيم بمن يتبعه منهم ، فتفرع عليه أنهم محقوقون بالإيمان به فإن آمنوا فذاك وإن لم يؤمنوا فإن الله حسيبه وكافيه . وقد دل الشرط على مقابله لأن { فإن تولوا } يدل على تقدير ضده وهو إن أذعنوا بالإيمان .

وبعد التفريع التفت الكلام من خطاب العرب إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بما كان مقتضى الظاهر أن يخاطَبُوا هُم به اعتماداً على قرينة حرف التفريع فقيل له : { فإن تولوا فقل حسبي الله } . والتقدير : فإن توليتم عنه فحسبه الله وقل حسبي الله . فجيء بهذا النظم البديع الإيجاز مع ما فيه من براعة الإيماء إلى عدم تأهلهم لخطاب الله على تقدير حالة توليهم .

والتولي : الإعراض والإدبار : وهو مستعار هنا للمكابرة والعناد .

والحسْب : الكافي ، أي كافيك شر إعراضهم لأنهم إن أعرضوا بعد هذا فقد أعرضوا عن حسد وحنق . وتلك حالة مظنة السعي في الكيد والأذى .

ومعنى الأمر بأن يقول : { حسبي الله } أن يقول ذلك قولاً ناشئاً عن عقد القلب عليه ، أي فاعلم أن حسبك الله وقُل حسبي الله ، لأن القول يؤكد المعلوم ويرسخه في نفس العالم به ، ولأن في هذا القول إبلاغاً للمعرضين عنه بأن الله كافيه إياهم .

والتوكل : التفويض . وهو مبالغة في وَكَل .

وهذه الآية تفيد التنويه بهذه الكلمة المباركة لأنه أمر بأن يقول هذه الكلمة بعيْنِها ولم يؤمَر بمجرد التوكل كما أمر في قوله : { فتوكل على الله إنك على الحق المبين } [ النمل : 79 ] . ولا أخبر بأن الله حسبه مجردَ إخبار كما في قوله : { فإن حسبك الله } [ الأنفال : 62 ] .

وجملة : { لا إله إلا هو } مستأنفة للثناء ، أو في موضع الحال وهي ثناء بالوحدانية .

وعطفت عليها جملة : { وهو رب العرش العظيم } للثناء بعظيم القدرة لأن من كان رباً للعرش العظيم ثبت أنه قدير ، لأنه قد اشتهر أن العرش أعظم المخلوقات ، ولذلك وصف بالعظيم ، فالعظيم في هذه الآية صفة للعرش ، فهو مجرور .

وفي هاتين الآيتين إشعار بالإيداع والإعذارِ للناس ، وتنبيه إلى المبادرة باغتنام وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ليتشرفوا بالإيمان به وهم يشاهدونه ويقتبسون من أنوار هديه ، لأن الاهتداء بمشاهدته والتلقي منه أرجى لحصول كمال الإيمان والانتفاع بقليل من الزمان لتحصيل وافر الخير الذي لا يحصل مثله في أضعاف ذلك الزمان .

وفيهما أيضاً إيماء إلى اقتراب أجل النبي صلى الله عليه وسلم لأن التذكير بقوله : { لقد جاءكم } يؤذن بأن هذا المجيء الذي مضى عليه زمن طويل يوشك أن ينقضي ، لأن لكل وارد قفولاً ، ولكل طالع أفولاً . وقد روي عن أبَيْ بن كعب وقتادة أن هاتين الآيتين هما أحدث القرآن عهداً بالله عز وجل ، أي آخرُ ما نزل من القرآن . وقيل : إن آخر القرآن نزولاً آية الكلالة خاتمةُ سورة النساء . وقيل آخره نزولاً قوله : { واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم تُوفَّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } من سورة البقرة ( 281 ) .

في « صحيح البخاري » من طريق شعيب عن الزهري عن ابن السباق عن زيد بن ثابت في حديث جمع القرآن في زمن أبي بكر رضي الله عنه قال زيد : « حتى وجدتُ من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم } إلى آخرهما . ومن طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري مع أبي خزيمة الأنصاري . ومعنى ذلك أنه بحث عن هاتين الآيتين في ما هو مكتوب من القرآن فلم يجدهما وهو يعلم أن في آخر سورة التوبة آيتين خاتمتين أو هو يحفظهما ( فإن زيداً اعتنى في جمع القرآن بحفظه وبتتبع ما هو مكتوب بإملاء النبي صلى الله عليه وسلم وبقراءة حفاظ القرآن غيره ) فوجد خزيمة أو أبا خزيمة يحفظهما . فلما أمْلاهما خزيمة أو أبو خزيمة عليه تذكّر زيد لفظهما وتذكّرهما مَن سمعهما من الصحابة حين قرأوهما ، كيف وقد قال أبَيّ بن كعب : إنهما آخر ما أنزل ، فلفظهما ثابت بالإجماع ، وتواترهما حاصل إذ لم يشك فيهما أحد وليس إثباتهما قاصراً على إخبار خزيمة أو أبي خزيمة .