ثم قال عليه السلام لربه معاهداً { رب } بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معيناً { للمجرمين } هذا أحسن ما تؤول .
وقال الطبري إنه قسم أقسم بنعمة الله تعالى عنده ويضعفه صورة جواب القسم فإنه غير متمكن في قوله { فلن أكون } ، والقسم لا يتلقى ب «لن » ، والفاء تمنع أن تنزل «لن » منزلة «لا » أو «ما » فتأمله واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله «فلا تجعلني ظهيراً » .
قال الفقيه الإمام القاضي : واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في [ منع ]{[9126]} خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم ورأوا أنها تتناول ذلك ، نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قال رب بما أنعمت علي} يقول: إذ أنعمت علي بالمغفرة، فلم تعاقبني بالقتل، {فلن} أعود أن {أكون ظهيرا للمجرمين} يعني: معينا للكافرين، فيما بعد اليوم، لأن الذي نصره موسى كان كافرا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"قالَ رَبّ بِمَا أنْعَمْتَ عَليّ" يقول تعالى ذكره: قال موسى ربّ بإنعامك عليّ بعفوك عن قتل هذه النفس،
"فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْمُجْرِمِينَ "يعني المشركين، كأنه أقسم بذلك، وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «فَلا تَجْعَلْنِي ظَهِيرا للْمُجْرِمِينَ» كأنه على هذه القراءة دعا ربه، فقال: اللهمّ لن أكون ظهيرا ولم يستثن عليه السلام حين قال "فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْمُجْرِمِينَ" فابتلي...عن قَتادة فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْمُجْرِمِينَ يقول: فلن أعين بعدها ظالِما على فُجره، قال: وقلما قالها رجل إلا ابتُلي، قال: فابتلي كما تسمعون.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} أي عوناً.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
...الظهير: المعين لغيره بما به يصير كالظهر له الذي يحميه من عدوه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ} يجوز أن يكون قسماً جوابه محذوف، تقديره: أقسم بإنعامك عليّ بالمغفرة لأتوبنّ {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ} وأن يكون استعطافاً، كأنه قال: رب اعصمني بحق ما أنعمت عليّ من المغفرة، فلن أكون إن عصمتني ظهيراً للمجرمين. وأراد بمظاهرة المجرمين: إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكثيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد، وكان يسمى ابن فرعون. وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم، كمظاهرة الإسرائيلي المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في منع خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم، ورأوا أنها تتناول ذلك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أنعم عليه سبحانه بالإجابة إلى سؤله، تشوف السامع إلى شكره عليها فأجيب بقوله: {قال رب} أي أيها المحسن إليّ بكل جميل. ولما كان جعل الشيء عوضاً لشيء أثبت له وأجدر بإمضاء العزم عليه قال: {بما أنعمت عليّ} أي بسبب إنعامك عليّ بالمغفرة وغيرها. ولما كان في سياق التعظيم للنعمة، كرر حرف السبب تأكيداً للكلام، وتعريفاً أن المقرون به مسبب عن الإنعام، وقرنه بأداة النفي الدالة على التأكيد فقال: {فلن أكون ظهيراً} أي عشيراً أو خليطاً أو معيناً {للمجرمين} أي القاطعين لما أمر الله به أن يوصل، أي لا أكون بين ظهراني القبط، فإن فسادهم كثير، وظلمهم لعبادك أبناء أوليائك متواصل وكبير، ولا قدرة لي على ترك نصرتهم، وذلك يجر إلى أمثال هذه الفعلة، فلا أصلح من المهاجرة لهم، وهذا من قول العرب: جاءنا في ظهرته -بالضم وبالكسر وبالتحريك، وظاهرته، أي عشيرته.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
ولعل المراد بإنعامه تعالى عليه حفظه إياه من شر فرعون ورده إلى أمه وتمييزه على سائر بني إسرائيل ونحو ذلك. وقيل المراد به مغفرته له وهو غير بعيد، ومعرفته عليه السلام أنه سبحانه غفر له إذا كان هذا القول قبل النبوة بإلهام أو رؤيا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وكأنما أحس موسى بقلبه المرهف وحسه المتوفز في حرارة توجهه إلى ربه، أن ربه غفر له. والقلب المؤمن يحس بالاتصال والاستجابة للدعاء، فور الدعاء، حين يصل إرهافه وحساسيته إلى ذلك المستوى؛ وحين تصل حرارة توجهه إلى هذا الحد.. وارتعش وجدان موسى -عليه السلام- وهو يستشعر الاستجابة من ربه، فإذا هو يقطع على نفسه عهدا، يعده من الوفاء بشكر النعمة التي أنعمها عليه ربه: (قال: رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين).. فهو عهد مطلق ألا يقف في صف المجرمين ظهيرا ومعينا. وهو براءة من الجريمة وأهلها في كل صورة من صورها. حتى ولو كانت اندفاعا تحت تأثير الغيظ، ومرارة الظلم والبغي. ذلك بحق نعمة الله عليه في قبول دعائه؛ ثم نعمته في القوة والحكمة والعلم التي آتاه الله من قبل. وهذه الارتعاشة العنيفة، وقبلها الاندفاع العنيف، تصور لنا شخصية موسى -عليه السلام- شخصية انفعالية، حارة الوجدان، قوية الاندفاع. وسنلتقي بهذه السمة البارزة في هذه الشخصية في مواضع أخرى كثيرة. بل نحن نلتقي بها في المشهد الثاني في هذه الحلقة مباشرة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقد دل هذا النظم على أن موسى أراد أن يجعل عدم مظاهرته للمجرمين جزاء على نعمة الحكمة والعلم بأن جعل شكر تلك النعمة الانتصار للحق وتغيير الباطل لأنه إذا لم يغير الباطل والمنكر وأقرهما فقد صانع فاعلهما، والمصانعة مظاهرة. ومما يؤيد هذا التفسير أن موسى لما أصبح من الغد فوجد الرجل الذي استصرخه في أمسه يستصرخه على قبطي آخر أراد أن يبطش بالقبطي وفاء بوعده ربه إذ قال {فلن أكون ظهيراً للمجرمين} لأن القبطي مشرك بالله والإسرائيلي موحِّد.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ما صدر من موسى (عليه السلام) هو من قبيل «ترك الأولى» لا أكثر، إذ كان عليه أن يحتاط قبل أن يضرب القبطي، فلم يحتط، فأوقع نفسه في مشاكل جانبية، لأنّ قتل القبطي لم يكن أمراً هيناً حتى يعفو عنه الفراعنة. ونعرف أن ترك الأولى لا يعني أنّه عملُ حرامٍ ذاتاً، بل يؤدي إلى ترك عمل أهم وأفضل، دون أن يصدر منه عمل مخالف ومناف لذلك العمل!.