فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

{ قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهير للمجرمين17 }

كأنما ذلك عهد عاهد به موسى ربه ، بحق ما أنعم به عليه من الهداية والولاية -إذ النبوة لم تكن قد جاءته بعد – رب فلن أعين كافرا على كافر .

وسياق الآيات في موضع آخر يبين أن موسى لم يوح إليه إلا بعد ذلك ، يقول الله سبحانه- حكاية على لسان موسى مخاطبا فرعون- : )ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين( {[3014]} والفاء تفيد الترتيب بين ما قبلها وما بعدها ، فالفرار من طلبهم له متقدم ، والرسالة جاءت من بعد .

كما أن الآيات التي سنعرض لتفسيرها-إن شاء الله – من هذه السورة بينت أن الخروج من المدينة فالتوجه إلى مدين فقضاء السنين هناك فالعودة بالأهل جاء على أثرها النداء الإلهي : { . . يا موسى إني أنا الله رب العالمين }{[3015]} .

قال الكسائي والفراء : إنه خبر ومعناه الدعاء ، كأنه قال : فلا تجعلني ظهيرا . . وفي الآية دلالة على عدم جواز إعانة الظلمة{[3016]} .


[3014]:سورة الشعراء. الآية 21.
[3015]:سورة القصص.من الآية 30
[3016]:أورد الألوسي: وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حنظلة..قال:قال رجل لعامر:يا أبا عمرو إني رجل كاتب أكتب ما يدخل وما يخرج آخذ رزقا أستغني به أنا وعيالي،قال:فلعلك تكتب في دم يسفك،قال لا:قال: فلعلك تكتب في مال يؤخذ، قال:لا،قال:فلعلك تكتب في دار تهدم، قال:لا، قال:أسمعت بما قال موسى عليه السلام:{رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين} قال:أبلغت إلي يا أبا عمرو،والله- عز وجل – لا أخط لهم بقلم أبدا، قال: والله تعالى لا يدعك بغير رزق أبدا.ج 20ص 56. وأورد القرطبي: قال عطاء:فلا يحل لأحد أن يعين ظالما ولا يكتب ولا يصحبه، وأنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين،وفي الحديث: "ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى به في جهنم "...فالمشي مع الظالم لا يكون جرما إلا إذا مشى معه ليعينه، لأنه ارتكب نهي الله في قوله:)..ولا تعاونوا على الإثم والعدوان..(.ج 13ص،264.263