في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

وكأنما أحس موسى بقلبه المرهف وحسه المتوفز في حرارة توجهه إلى ربه ، أن ربه غفر له . والقلب المؤمن يحس بالاتصال والاستجابة للدعاء ، فور الدعاء ، حين يصل إرهافه وحساسيته إلى ذلك المستوى ؛ وحين تصل حرارة توجهه إلى هذا الحد . . وارتعش وجدان موسى - عليه السلام - وهو يستشعر الاستجابة من ربه ، فإذا هو يقطع على نفسه عهدا ، يعده من الوفاء بشكر النعمة التي أنعمها عليه ربه :

( قال : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) . .

فهو عهد مطلق ألا يقف في صف المجرمين ظهيرا ومعينا . وهو براءة من الجريمة وأهلها في كل صورة من صورها . حتى ولو كانت اندفاعا تحت تأثير الغيظ ، ومرارة الظلم والبغي . ذلك بحق نعمة الله عليه في قبول دعائه ؛ ثم نعمته في القوة والحكمة والعلم التي آتاه الله من قبل . وهذه الإرتعاشة العنيفة ، وقبلها الإندفاع العنيف ، تصور لنا شخصية موسى - عليه السلام - شخصية انفعالية ، حارة الوجدان ، قوية الاندفاع . وسنلتقي بهذه السمة البارزة في هذه الشخصية في مواضع أخرى كثيرة .

بل نحن نلتقي بها في المشهد الثاني في هذه الحلقة مباشرة :