قوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } قرأ حمزة ويعقوب : أخفي لهم ساكنة الياء ، أي : أنا أخفي لهم ، ومن حجته قراءة ابن مسعود تخفي بالنون . وقرأ الآخرون بفتحها . { من قرة أعين } مما تقر به أعينهم ، { جزاءً بما كانوا يعملون } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إسحاق بن نصر ، أنبأنا أبو أسامة عن الأعمش ، أنبأنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخراً بله ما اطلعتم عليه ثم قرأ : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } . قال ابن عباس هذا مما لا تفسير له . وعن بعضهم قال : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .
وقوله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم ، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد ، لَمَّا أخفوا أعمالهم{[23105]} أخفى الله لهم من الثواب ، جزاء وفاقا ؛فإن الجزاء من جنس العمل .
قال الحسن [ البصري ] :{[23106]} أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين ، ولم يخطر{[23107]} على قلب بشر . رواه ابن أبي حاتم .
قال البخاري : قوله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } الآية : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزِّنَاد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . قال أبو هريرة : فاقرؤوا إن شئتم : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } .
قال : وحدثنا سفيان ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال الله مثله{[23108]} . قيل لسفيان : روايةً ؟ قال : فَأيُّ شيء ؟ .
ورواه مسلم والترمذي من حديث سفيان بن عيينة ، به{[23109]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .
ثم قال البخاري : حدثنا إسحاق بن نصر ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، حدثنا{[23110]} أبو صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ذُخْرًا منْ بَله ما أطلعْتم عليه " ، ثم قرأ : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
قال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، قرأ أبو هريرة : " قُرَّات أَعْيُنٍ " . انفرد به البخاري من هذا الوجه . {[23111]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى قال : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .
أخرجاه في الصحيحين من رواية عبد الرزاق{[23112]} . ورواه الترمذي في التفسير ، وابن جرير ، من حديث عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . {[23113]}
وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة{[23114]} ، رضي الله عنه ، قال حماد : أحسبه عن النبي{[23115]} صلى الله عليه وسلم قال : «من يدخل الجنة ينعم لا يبأس ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » .
رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، به . {[23116]}
وروى{[23117]} الإمام أحمد : حدثنا هارون ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدَّثه قال : سمعت{[23118]} سهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنه ، يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة ، حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : «فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » ، ثم قرأ هذه الآية : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ] } {[23119]} ، إلى قوله : { يَعْمَلُون } .
وأخرجه مسلم في صحيحه عن هارون بن معروف ، وهارون بن سعيد ، كلاهما عن ابن وهب ، به . {[23120]}
وقال ابن جرير : حدثني العباس بن أبي طالب ، حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يروي عن ربه ، عز وجل ، قال : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » . لم يخرجوه . {[23121]}
وقال{[23122]} مسلم أيضا في صحيحه : حدثنا ابن أبي عمر وغيره ، حدثنا سفيان ، حدثنا مُطَرّف بن طَريف وعبد الملك بن سعيد ، سمعا الشعبي يخبر عن المغيرة بن شعبة قال : سمعته على المنبر - يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال : «سأل موسى ، عليه السلام{[23123]} ربه عز وجل : ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة . فيقول : أي رب ، كيف وقد نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب . فيقول : لك ذلك ، ومثله ، ومثله ، ومثله ، ومثله ، فَقَال في الخامسة : رضيت رب . فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله{[23124]} ولك ما اشتهت نفسك ولَذَّت عينك . فيقول : رضيت رب . قال : رب ، فأعلاهم منزلة ؟ قال : أولئك الذين أرَدتُ ، غَرَسْتُ كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلم تر عين ، ولم تسمع{[23125]} أذن ، ولم يخطر على قلب بشر » ، قال : ومصداقه من كتاب الله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ، وقال : حسن صحيح ، قال : ورواه بعضهم عن الشعبي ، عن المغيرة ولم يرفعه ، والمرفوع أصح . {[23126]}
قال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن منير المدائني ، حدثنا أبو بدر شجاعُ بن الوليد ، حدثنا زياد بن خَيْثَمة ، عن محمد بن جُحَادة ، عن عامر{[23127]} بن عبد الواحد قال : بلغني أن الرجل من أهل الجنة يمكث في مكانه سبعين سنة ، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ، فتقول له : قد أنَى لك أن يكون لنا منك نصيب ؟ فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا من المزيد . فيمكث معها سبعين سنة ، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ، فتقول له : قد أنى لك أن يكون لنا منك نصيب ، فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا التي{[23128]} قال الله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } .
وقال ابن لَهِيعَة : حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جُبَيْر قال : تدخل عليهم الملائكة في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات ، معهم التحف من الله من جنات عدن ما ليس في جناتهم ، وذلك قوله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } ، ويُخْبَرون أن الله عنهم{[23129]} راض .
وقال ابن جرير : حدثنا سهل بن موسى الرازي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان الهوزني - أو غيره - قال : الجنة مائة درجة ، أوَّلها درجة فضة وأرضها فضة ، ومساكنها فضة ، [ وآنيتها فضة ]{[23130]} وترابها المسك . والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها اللؤلؤ ، وآنيتها اللؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ثم تلا هذه الآية : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } {[23131]}
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغِطْرِيف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس{[23132]} عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن الروح الأمين قال : " يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ، ينقص بعضها من بعض ، فإن بقيت حسنة [ واحدة ] {[23133]} وسع الله له في الجنة " ، قال : فدخلت على " يزداد " فَحَدَّث بمثل هذا الحديث ، قال : فقلت : فأين ذهبت الحسنة ؟ قال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } [ الأحقاف : 16 ] . قلت : قوله تعالى : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } ، قال : العبد يعمل سرًّا أسرَّه إلى الله ، لم² يُعلم به الناس ، فأسَرَّ الله له يوم القيامة قُرَّة أعين{[23134]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فلا تعلم نفس ذي نفسٍ ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هاتين الاَيتين ، مما تقرّ به أعينهم في جنانه يوم القيامة جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول : ثوابا لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : إن في التوراة مكتوبا : لقد أعدّ الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وما لم يسمعه ملك مقرّب . قال : ونحن نقرؤها : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ .
حدثنا خلاد ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا إسرائيل ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن عُبيدة بن ربيعة ، عن ابن مسعود ، قال : مكتوب في التوراة على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، في القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُن جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : خبىء لهم ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . قال سفيان : فيما علمت على غير وجه الشكّ .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا عبيدة ، قال : قال عبد الله ، قال ، يعني الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب ناظر فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُنِ جَزَاءً بِما كانُوا يَعْمَلونَ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن صلت ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن عبيدة بن ربيعة الحارثي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : إن في التوراة للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من الكرامة ، ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وإنه لفي القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُن .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن ابن أبجر ، قال : سمعت الشعبيّ يقول : سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر : إن موسى صلى الله عليه وسلم سأل عن أبخس أهل الجنة فيها حظا ، فقيل له : رجل يُؤتى به وقد دخل أهل الجنة الجنة ، قال : فيقال له : ادخل ، فيقول : أين وقد أخذ الناس أَخَذاتهم ؟ فيقال : اعدد أربعة ملوك من ملوك الدنيا ، فيكون لك مثل الذي كان لهم ، ولك أخرى شهوة نفسك ، فيقول : أشتهي كذا وكذا ، وأشتهي كذا ويقال : لك أخرى ، لك لذّة عينك ، فيقول : ألذّ كذا وكذا ، فيقال : لك عشرة أضعاف مثل ذلك ، وسأله عن أعظم أهل الجنة فيها حظا ، فقال : ذاك شيء ختمت عليه يوم خلقت السموات والأرض . قال الشعبي : فإنه في القرآن : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْملونَ .
حدثني أحمد بن محمد الطّوسي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا ابن عُيينة وحدثني به القرقساني ، عن ابن عيينة ، عن مطرف بن طريف ، وابن أبجر ، سمعنا الشعبيّ يقول : سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ مُوسَى سألَ رَبّهُ : أيْ رَبّ ، أيّ أهْلِ الجَنّةِ أدْنَى مَنْزِلةً ؟ قال : رَجُلُ يَجيءُ بَعْدَ ما دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ ، فَيُقالُ لَهُ : ادْخُلْ ، فَيَقُولُ : كَيْفَ أدْخُلُ وَقَدْ نَزَلُوا مَنازِلَهُمْ ؟ فَيُقالُ لَهُ : أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ ما كانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدّنْيا ؟ ، فَيَقُولُ : بَخ أيْ رَبّ قَدْ رَضِيتُ فَيُقالُ لَهُ : إنّ لَكَ هَذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلهُ ومِثْلَهُ ، فَيَقُولُ : رَضِيتُ أيْ رَبّ رَضِيتُ ، فَيُقالُ لَهُ : إنّ لَكَ هَذَا وَعَشْرَةَ أمْثالِهِ مَعَهُ ، فيَقُول : رَضِيتُ أيْ رَبّ ، فَيُقالُ لَهُ : فإنّ لَكَ مَعَ هَذَا ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذّتْ عَيْنُكَ قالَ : فَقالَ مُوسَى : أيْ رَبّ ، وأيّ أهْل الجَنّةَ أرْفَعُ مَنْزِلَةً ؟ قالَ : إيّاها أرَدْتُ ، وسأُحَدّثُكَ عَنْهُمْ غَرَسْتُ لَهُمْ كَرَامَتِي بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْها ، فَلا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ : وَمِصْدَاق ذلكَ فِي كِتابِ اللّهِ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .
حدثنا محمد بن منصور الطوسيّ ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، قال : حدثنا عمرو بن أبي قَيْس ، عن ابن أبي ليلَى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وكانَ عَرْشُهُ على المَاءِ وكان عرش الله على الماء ، ثم اتخذ لنفسه جنة ، ثم اتخذ دونها أخرى ، ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة قال : ومن دونهما جنتان قال : وهي التي لا تعلم نفس ، أو قال : هما التي لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون . قال : وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها ، أو ما فيهما يأتيهم كلّ يوم منها أو منهما تحفة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَير ، بنحوه .
حدثنا سهل بن موسى الرازيّ ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان الهَوْزنيّ أو غيره ، قال : الجنة مئة درجة ، أوّلها درجة فضة ، أرضها فضة ، ومساكنها فضة ، وآنيتها فضة ، وترابها المِسك . والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها لؤلؤ ، وآنيتها لؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عينٌ رأته ، ولا أذن سمعته ، ولا خطر على قلب بشر ، وتلا هذه الاَية فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي وعبد الرحيم ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قالَ اللّهُ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ ، قالَ اللّهُ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ » .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية وابن نمير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعْدَدْتُ لعِبادِي الصّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » قال أبو هريرة : ومن بله ما أطلعكم عليه ، اقرَءوا إن شئتم : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ قال أبو هريرة : نقرؤها : «قُرّاتِ أعيُنٍ » .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغطريف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن الروح الأمين ، قال : «يُؤْتَى بِحَسَناتِ العَبْدِ وَسَيّئاتِهِ ، فَيَنْقُصُ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ، فإنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَسّعَ اللّهُ لَهُ فِي الجَنّةِ » قال : فدخلت على يزداد ، فحدّث بمثل هذا قال : قلت : فأين ذهبت الحسنة ؟ قال : أُولَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا ، وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئاتِهِمْ فِي أصحابِ الجَنّةِ وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ، قلت : قوله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال : العبد يعمل سرّا أسرّه إلى الله لم يعلم به الناس ، فأسرّ الله له يوم القيامة قرّة عين .
حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يروي عن ربه ، قال : «أعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصّالِحينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .
حدثني أبو السائب ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : «فيهَا ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » ثم قرأ هذه الاَية : تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ . . . إلى قوله جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قالَ رَبّكُمْ : أعْدَدْتُ لعِبادِي الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي ذلك عن ربه ، «قالَ رَبّكُمْ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال : أخفوا عملاً في الدنيا ، فأثابهم الله بأعمالهم .
حدثني القاسم بن بشر ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، قال حماد : أحسبه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ يَدْحُلِ الجَنّةَ يَنْعَمْ وَلا يَبْؤُسْ ، لا تَبْلَى ثِيابُهُ ، وَلا يَفْنَى شَبابُهُ ، في الجَنّةِ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ فقرأ ذلك بعض المدنيين والبصريين ، وبعض الكوفيين : أُخْفِيَ بضم الألف وفتح الياء بمعنى فُعِل . وقرأ بعض الكوفيين : «أُخْفِي لَهُمْ » بضم الألف وإرسال الياء ، بمعنى أفعل ، أخفي لهم أنا .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، متقاربتا المعنى ، لأن الله إذا أخفاه فهو مخفى ، وإذا أخفى فليس له مخف غيره ، و «ما » في قوله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ فإنها إذا جعلت بمعنى الذي كانت نصبا بوقوع تعلم عليها كيف قرأ القارىء أخفى ، وإذا وجهت إلى معنى أيّ كانت رفعا إذا قرىء أخفى بنصب الياء وضم الألف ، لأنه لم يسمّ فاعله ، وإذا قرىء أُخْفِي بإرسال الياء كانت نصبا بوقوع أخفي عليها .
ثم ذكر تعالى وعدهم من النعيم بما لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك ، وقرأ حمزة واحده «أخفي » بسكون الياء كأنه قال أخفي أنا وهي قراءة الأعمش ، وروي عنه «ما أخفيت لهم من قرة أعين » ، وقرأ عبد الله «ما نُخفي لهم » بالنون مضمومة ، وروى المفضل عن الأعمش «ما يُخفَى لهم » بالياء المضمومة وفتح الفاء ، وقرأ محمد بن كعب «ما أَخفى » بفتح الهمزة ، أي ما أخفى الله ، وقرأ جمهور الناس «أُخفيَ » بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول ، و { ما } يحتمل أن تكون بمعنى الذي ، فعلى القراءة الأولى فثم ضمير محذوف تقديره أخفيه ، وعلى قراءة الجمهور فالضمير الذي لم يسم فاعله يجري في العودة على الذي ، ويحتمل أن تكون استفهاماً ، فعلى القراءة الأولى فهي في موضع نصب ب «أخفي » وعلى القراءة الثانية هي في موضع رفع بالابتداء ، و { قرة أعين } ما تلذه وتشتيهه وهي مأخوذة من القر{[9429]} كما أن سخنة العين مأخوذة من السخانة ، وأصل هذا فيما يزعمون أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخن ، وفي معنى هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل :
«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » واقرؤوا إن شئتم : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }{[9430]} .
وقال ابن مسعود : «في التوراة مكتوب على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر » . وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة وأبو الدرداء «قرات » على الجمع ، وقوله { جزاء بما كانوا يعملون } أي بتكسبهم .