المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

60- بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن خلق السماوات والأرض وما فيهما ، وأنزل لأجلكم من السماء غيثاً نافعاً ، فأنبت به بساتين ذات حُسن وبهاء ما أمكن لكم أن تنبتوا شجرها المختلف الأنواع والألوان والثمار . هذا التناسق في الخلق يثبت أن ليس مع الله إله ، ولكن الكفار قوم يعدلون عن الحق والإيمان ويميلون للباطل والشرك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

قوله تعالى : { أمن خلق السموات والأرض } معناه آلهتكم خير أم الذي خلق السموات والأرض ، { وأنزل لكم من السماء ماءً } يعني المطر ، { فأنبتنا به حدائق } بساتين جمع حديقة ، قال الفراء : الحديقة البستان المحاط عليه ، فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة ، { ذات بهجة } أي : منظر حسن ، والبهجة : الحسن يبتهج به من يراه ، { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } أي : ما ينبغي لكم ، لأنكم لا تقدرون عليها . { أإله مع الله } استفهام على طريق الإنكار ، أي : هل معه معبود سواه يعينه على صنعه بل ليس معه إله . { بل هم قوم } يعني كفار مكة ، { يعدلون } يشركون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

ثم شرع تعالى يبين{[22098]} أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره ، فقال : { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ } أي : تلك السموات بارتفاعها وصفائها ، وما جعل فيها من الكواكب النيرة والنجوم الزاهرة والأفلاك الدائرة ، والأرض باستفالها وكثافتها ، وما جعل فيها من الجبال والأوعار والسهول ، والفيافي والقفار ، والأشجار والزروع ، والثمار والبحور{[22099]} والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك .

وقوله : { وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } أي : جعله رزقا للعباد ، { فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ } أي : بساتين { ذَاتَ بَهْجَةٍ } أي : منظر حسن وشكل بهي ، { مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا } أي : لم تكونوا تقدرون على إنبات شجرها ، وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق ، المستقل بذلك المتفرد به ، دون ما سواه من الأصنام والأنداد ، كما يعترف{[22100]} به هؤلاء المشركون ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] ، { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ العنكبوت : 63 ] أي : هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له ، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق ، وإنما يستحق أن يُفرَدَ بالعبادة مَن هو المتفرد بالخلق والرزق ؛ ولهذا قال : { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } أي : أإله مع الله يعبد . وقد تبين لكم ، ولكل ذي لب مما يعرفون{[22101]} به أيضًا أنه الخالق الرازق .

ومن المفسرين من يقول : معنى قوله : { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } [ أي : أإله مع الله ]{[22102]} فعل هذا . وهو يرجع إلى معنى الأول ؛ لأن تقدير الجواب أنهم يقولون : ليس ثَمَّ أحدٌ فعل هذا معه ، بل هو المتفرد به . فيقال : فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والتدبير ؟ كما قال : { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] .

وقوله هاهنا : { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ } : { أمن } في هذه الآيات [ كلها ]{[22103]} تقديره : أمن يفعل هذه الأشياء كَمَنْ لا يقدر على شيء منها ؟ هذا معنى السياق وإن لم يذكر الآخر ؛ لأن في قوة الكلام ما يرشد إلى ذلك ، وقد قال : { آلله خير أما يشركون } .

ثم قال في آخر الآية : { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } أي : يجعلون لله عدلا ونظيرًا . وهكذا قال تعالى : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } [ الزمر : 9 ] أي : أمن هو هكذا كَمَنْ ليس كذلك ؟ ولهذا قال : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ } [ الزمر : 9 ] ، { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } [ الزمر : 22 ] ، وقال { أَفَمَنْ{[22104]} هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] أي : أمَنْ هو شهيد على أفعال الخلق ، حركاتهم وسكناتهم ، يعلم الغيب جليله وحقيره ، كَمَنْ هو لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر من هذه الأصنام التي عبدوها ؟ ولهذا قال : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ } [ الرعد : 33 ] ، وهكذا هذه الآيات الكريمات كلها .


[22098]:- في ف : "شرع يبين تعالى".
[22099]:- في ف : "والبحار".
[22100]:- في ف : "كما يعرف".
[22101]:- في ف ، أ : "يعترفون".
[22102]:- زيادة من ف ، أ.
[22103]:- زيادة من ف ، أ.
[22104]:- في جميع النسخ : "أمن" والصواب ما أثبتناه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلََهٌ مّعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره للمشركين به من قُرَيش : أعبادة ما تعبدون من أوثانكم التي لا تضرّ ولا تنفع خير ، أم عبادة من خلق السموات والأرض ؟ وأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السّماءِ ماء يعني مطرا ، وقد يجوز أن يكون مريدا به العيون التي فجّرها في الأرض ، لأن كل ذلك من خلقه فَأنْبَتْنا بِهِ يعني بالماء الذي أنزل من السماء حَدَائِقَ وهي جمع حديقة ، والحديقة : البستان عليه حائط محوّط ، وإن لم يكن عليه حائط لم يكن حديقة . وقوله : ذَاتَ بَهْجَةٍ يقول : ذات منظر حسن . وقيل ذات بالتوحيد . وقد قيل حدائق ، كما قال : وَلِلّهِ الأسْماءُ الحُسْنَى ، وقد بيّنت ذلك فيما مضى . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ قال : البهجة : الفُقّاح مما يأكل الناس والأنعام .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ قال : من كلّ شيء تأكله الناس والأنعام .

وقوله : ما كانَ لَكُمْ أنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها يقول تعالى ذكره : أنبتنا بالماء الذي أنزلناه من السماء لكم هذه الحدائق إذا لم يكن لكم - لولا أنه أنزل عليكم الماء من السماء - طاقة أن تنبتوا شجر هذه الحدائق ، ولم تكونوا قادرين على ذهاب ذلك ، لأنه لا يصلح ذلك إلا بالماء . وقوله : أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ يقول تعالى ذكره : أمعبود مع الله - أيها الجهلة - الذي خلق ذلك ، وأنزل من السماء الماء ، فأنبت به لكم الحدائق ؟ فقوله : أءله مردود على تأويل : أمع الله إله . بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ يقول جلّ ثناؤه : بل هؤلاء المشركون قوم ضلال ، يعدلون عن الحقّ ، ويجورون عليه ، على عمد منهم لذلك ، مع علمهم بأنهم على خطأ وضلال ولم يعدلوا عن جهل منهم ، بأن من لا يقدر على نفع ولا ضرّ ، خير ممن خلق السموات والأرض ، وفعل هذه الأفعال ، ولكنهم عدلوا على علم منهم ومعرفة ، اقتفاء منهم سنة من مضى قبلهم من آبائهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

{ أمن } بل أمن . { خلق السماوات والأرض } التي هي أصول الكائنات ومبادئ المنافع . وقرأ أمن بالتخفيف على انه بدل من الله . { وأنزل لكم } لأجلكم . { من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة } عدل به من الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته ، والتنبيه على أن إنبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما أشار اليه بقوله : { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } شجر الحدائق وهي البساتين من الإحداق وهو الإحاطة . { أإله مع الله } أغيره يقرن به ويجعل له شريكا ، وهو المنفرد بالخلق والتكوين . وقرئ " أإلها " بإضمار فعل مثل أتدعون أو أتشركون وبتوسيط مدة الهمزتين وإخراج الثانية بين بين . { بل هم قوم يعدلون } عن الحق الذي هو التوحيد .