فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

و«أم » في { أَمَّا يُشْرِكُونَ } هي المتصلة . وأما في قوله : { أَمَّنْ خَلَقَ السموات والأرض } فهي المنقطعة . وقال أبو حاتم : تقديره ءآلهتكم خير أم من خلق السماوات والأرض وقدر على خلقهنّ ؟ وقيل المعنى : أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير ، أم عبادة من خلق السماوات والأرض ؟ فتكون " أم " على هذا متصلة ، وفيها معنى التوبيخ ، والتهكم كما في الجملة الأولى . وقرأ الأعمش :{ أمن } بتخفيف الميم { وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء مَاء } أي نوعاً من الماء ، وهو المطر { فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ } جمع حديقة . قال الفراء : الحديقة البستان الذي عليه حائط ، فإن لم يكن عليه حائط ، فهو البستان ، وليس بحديقة . وقال قتادة وعكرمة : الحدائق النخل { ذَاتَ بَهْجَةٍ } أي ذات حسن ورونق . والبهجة : هي الحسن الذي يبتهج به من رآه ، ولم يقل ذوات بهجة على الجمع ، لأن المعنى جماعة حدائق { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } أي ما صح لكم أن تفعلوا ذلك ، ومعنى هذا النفي الحظر ، والمنع من فعل هذا : أي ما كان للبشر ، ولا يتهيأ لهم ذلك ، ولا يدخل تحت مقدرتهم لعجزهم عن إخراج الشيء من العدم إلى الوجود . ثم قال سبحانه موبخاً لهم ، ومقرّعاً { أإله مَعَ الله } أي هل معبود مع الله الذي تقدّم ذكر بعض أفعاله حتى يقرن به ويجعل شريكاً له في العبادة ، وقرىء : " ءإلها مع الله " بالنصب على تقدير : أتدعون إلها . ثم أضرب عن تقريعهم وتوبيخهم بما تقدّم ، وانتقل إلى بيان سوء حالهم مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة فقال : { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } أي يعدلون بالله غيره ، أو يعدلون عن الحق إلى الباطل .

/خ66