فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

{ أمن خلق السماوات والأرض ؟ } أم هذه المنقطعة ، وقال أبو حاتم : تقديره أآلهتكم خير ؟ أم من خلق السماوات والأرض ؟ وقدر على خلقهن ، وقيل : المعنى أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خيرا ؟ أم عبادة من خلق العالم الجسماني ؟ فيكون ( أم ) على هذا متصلة ، وفيها معنى التوبيخ والتهكم ، كما في الجملة الأولى .

{ وأنزل لكم من السماء ماء } أي نوعا من الماء وهو المطر { فأنبتنا به حدائق } جمع حديقة ، قال الفراء : الحديقة البستان الذي عليه حائط ، فإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة . وقال قتادة وعكرمة : الحدائق النخل .

{ ذات بهجة } أي ذات منظر حسن ، ورونق ، والبهجة هي الحسن الذي يبتهج به من رآه ولم يقل ذوات بهجة على الجمع ، لأن المعنى جماعة حدائق وصرف الكلام عن الغيبة إلى التكلم تأكيدا لمعنى اختصاص الفعل بذاته ، وإيذانا بأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والأشكال ، مع سقيها بماء واحد لا يقدر عليه إلا هو وحده ، ثم رشح معنى الاختصاص بقوله :

{ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } فضلا عن ثمارها وسائر صفاتها البديعة ، ومعنى هذا النفي الحظر والمنع من فعل أي ما يصح للبشر ، ولا يتهيأ لهم ذلك ، ولا يدخل تحت مقدورهم ، لعجزهم عن إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ، وأن تأتي ذلك محال من غيره ، ثم قال سبحانه موبخا لهم ومقرعا :

{ أإله } أي : هل معبود { مع الله ؟ } الذي تقدم ذكر بعض أفعاله حتى يقرن به ، ويجعل شريكا له في العبادة ، وقرئ إلها أي : أتدعون إلها مع الله ؟ والاستفهام للإنكار أي ليس معه إله ، وكذا يقال في المواضع الأربعة الآتية ، ثم اضرب عن توبيخهم وتقريعهم بما تقدم ، وانتقل إلى بيان سوء حالهم مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة فقال :

{ بل هم قوم يعدلون } بالله غيره ، أو يعدلون عن الحق إلى الباطل ، و ( بل هم ) بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم ثم شرع في الاستدلال بأحوال الأرض وما عليها فقال :