قوله تعالى : { رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ، فيقولوا : ما أرسلت إلينا رسولاً ، وما أنزلت إلينا كتابا .
وفيه دليل على أن الله تعالى لا يعذب الخلق قبل بعثه الرسول ، قال الله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء :15 ] ،
قوله تعالى : { وكان الله عزيزاً حكيماً } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، ثنا موسى بن إسماعيل ، أنا أبو عوانة ، أنا عبد الملك ، عن وراد كاتب المغيرة قال : قال سعد بن عبادة رضي الله عنه : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أتعجبون من غيرة سعد ؟ والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين ، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة " .
وقوله : { رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } أي : يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات ، وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب .
وقوله : { لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } أي : أنه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة ، وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه ؛ لئلا يبقى لمعتذر عذر ، كما قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } [ طه : 134 ] ، وكذا قوله تعالى : { وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ]{[8752]} } [ القصص : 47 ] .
وقد ثبت في الصحيحين{[8753]} عن ابن مسعود ، [ رضي الله عنه ]{[8754]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحَدَ أغَيْرَ من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظَهَر منها وما بطن ، ولا أحدَ أحبَّ إليه المدحُ من الله ، من أجل ذلك مدح نفسه ، ولا أحدَ أحَبَّ إليه العُذر من الله ، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين " وفي لفظ : " من أجل ذلك أرسل رسله ، وأنزل كتبه " .
{ رّسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } . .
يعني جلّ ثناؤه بذلك : إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كمَا أوْحَيْنا إلى نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِنْ بَعْدِه ومن ذكر من الرسل رُسُلاً فنصب به الرسل على القطع من أسماء الأنبياء الذين ذكر أسماءهم . مُبَشّرِينَ يقول : أرسلتهم رسلاً إلى خلقي وعبادي مبشرين بثوابي من أطاعني واتبع أمري وصدّق رسلي ، وَمُنْذِرِينَ عقابي من عصاني وخالف أمري وكذّب رسلي . لِئَلاّ يَكُونَ للنّاسِ على اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ يقول : أرسلت رسلي إلى عبادي مبشرين ومنذرين ، لئلا يحتجّ من كفر بي وعبد الأنداد من دوني ، أو ضلّ عن سبيلي بأن يقول إن أردت عقابه : لَوْلاَ أرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً فَنتَبّعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أنْ نَذِلّ وَنَخْزَى ، فقطع حجة كل مبطل ألحد في توحيده وخالف أمره بجميع معاني الحجج القاطعة عذره ، إعذارا منه بذلك إليهم ، لتكون لله الحجة البالغة عليهم وعلى جميع خلقه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لِئَلاّ يَكُونَ للنّاسِ على اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ فيقولوا : ما أرسلت إلينا رسلاً .
وكانَ اللّهُ عَزِيرا حَكِيما يقول : ولم يزل الله ذا عزّة في انتقامه ممن انتقم من خلقه على كفره به ومعصيته إياه بعد تثبيته حجته عليه برسله وأدلته ، حكيما في تدبيره فيهم ما دبره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.