البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (165)

{ رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } أي يبشرون بالجنة من أطاع ، وينذرون بالنار من عصى .

وأراد تعالى أن يقطع بالرسل احتجاج من يقول : لو بعث إلي رسول لآمنت .

وفي الحديث : « وليس أحد أحب إليه العذر من الله » فمن أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله تعالى من الأدلة التي النظر فيها موصل إلى المعرفة ، والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة ، ولا عرفوا أنهم رسل الله إلا بالنظر فيها ؟ قلت : الرسل منهيون عن الغفلة ، وباعثون على النظر كما ترى علماء العدل والتوحيد ، مع تبليغ ما حملوه من تفصيل أمور الدين ، وبيان أحوال التكليف وتعلم الشرائع ، فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميماً لإلزام الحجة لئلا يقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولاً فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا لما وجب الانتباه له انتهى .

وقوله : لئلا هو كالتعليل لحالتي : التبشير والإنذار .

والتبشير هو بالجنة ، والإنذار هو بالنار .

وليس الثواب والعقاب حاكماً بوجوبهما العقل ، وإنما هو مجوّز لهما ، وجاء السمع فصارا واجباً وقوعهما ، ولم يستفد وجوبهما إلا من البشارة والنذارة .

فلو لم يبشر الرسل بالجنة لمن امتثل التكاليف الشرعية ، ولم ينذروا بالنار من لم يمتثل ، وكانت تقع المخالفة المترتب عليها العقاب بما لا شعور للمكلف بها من حيث أن الله لا يبعث إليه من يعلمه بأنّ تلك معصية ، لكانت له الحجة إذ عوقب على شيء لم يتقدم إليه في التحذير من فعله ، وأنه يترتب عليه العقاب .

وأما ما نصبه الله تعالى من الأدلة العقلية فهي موصلة إلى المعرفة والإيمان بالله على ما يجب ، والعلل في الآية هو غير المعرفة والإيمان بالله ، فلا يرد سؤال الزمخشري .

وانتصب رسلاً على البدل وهو الذي عبر عنه الزمخشري بانتصابه على التكرير .

قال : والأوجه أن ينتصب على المدح .

وجوّز غيره أن يكون مفعولاً بأرسلنا مقدرة ، وأن يكون حالاً موطئة .

ولئلا متعلقة بمنذرين على طريق الإعمال .

وجوّز أن يتعلق بمقدر أي : أرسلناهم بذلك أي : بالبشارة والنذارة لئلا يكون

{ وكان الله عزيزاً حكيماً } أي لا يغالبه شيء ، ولا حجة لأحد عليه ، صادرة أفعاله عن حكمة ، فلذلك قطع الحجة بإرسال الرسل .

وقيل : عزيزاً في عقاب الكفار ، حكيماً في الأعذار بعد تقدم الإنذار .

/خ176