فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (165)

{ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ( 165 ) }

{ رسلا مبشرين } لأهل الطاعات بالجنة { ومنذرين } لأهل المعاصي بالعذاب { لئلا } اللام كي وتتعلق بمنذرين على المختار للبصريين ، وبمبشرين عند الكوفيين ، فإن المسألة من باب التنازع ، والأول أولى ، وله في القرآن نظائر ، وقيل تتعلق بمحذوف أي أرسلناهم كيلا :

{ يكون للناس على الله حجة } أي معذرة يعتذرون بها كما في قوله تعالى : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك } وسميت المعذرة حجة مع أنه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة تنبيها على أن هذه المعذرة مقبولة لديه تفضلا منه ورحمة .

{ وبعد } إرسال { الرسل } وإنزال الكتب وفيه دليل على أنه لو لم يبعث الرسل لكان للناس عليه حجة في ترك التوحيد والطاعة ، وعلى أن الله لا يعذب الخلق قبل بعثه الرسل كما قال تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وفيه حجة لأهل السنة على أن معرفة الله لا تثبت إلا بالسمع { وكان الله عزيزا } لا يغالبه مغالب { حكيما } في أفعاله التي من جملتها إرسال الرسل .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ، من أجل ذلك مدح نفسه ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين ، وفي لفظ مسلم ولا شخص أحب إليه العذر من الله ، الحديث{[573]} .


[573]:مسلم 2750 والبخاري2003.