72- هؤلاء المشركون إذا تلا أحد عليهم آياتنا الواضحات ، وفيها الدليل على صحة ما تدعو إليه - أيها النبي - وفساد عبادتهم ، تلحظ في وجوههم الحنق والغيظ الذي يستبد بهم ، حتى ليكاد يدفعهم إلى الفتنة بالذين يتلون عليهم هذه الآيات . قل لهم - أيها النبي - تبكيتا وإنذاراً : هل تستمعو إليّ فأخبركم بشيء هو أشد عليكم شراً من الغيظ الذي يحرق نفوسكم ؟ إنه هو النار التي توعَّد اللَّه بها الذين كفروا أمثالكم يوم القيامة ، وما أسوأها مصيراً ومقاماً .
قوله تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } يعني : القرآن { تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر } يعني الإنكار يتبين ذلك في وجوههم من الكراهية والعبوس ، { يكادون يسطون } يعني : يقعون ويبسطون إليهم أيديهم بالسوء . وقيل : يبطشون { بالذين يتلون عليهم آياتنا } أي : بمحمد وأصحابه من شدة الغيظ . يقال : سطا عليه وسطا به ، إذا تناوله بالبطش والعنف ، وأصل السطو القهر { قل } يا محمد ، { أفأنبئكم بشر من ذلكم } أي : بشر لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تستمعون { النار } يعني : هي النار . { وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير* }
وأعجب شيء أنهم وهم يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا ، وما ليس لهم به علم . لا يستمعون لدعوة الحق ، ولا يتلقون الحديث عنها بالقبول . إنما تأخذهم العزة بالإثم ، ويكادون يبطشون بمن يتلون عليهم كلام الله : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ، يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ) . .
إنهم لا يناهضون الحجة بالحجة ، ولا يقرعون الدليل بالدليل إنما هم يلجأون إلى العنف والبطش عندما تعوزهم الحجة ويخذلهم الدليل . وذلك شأن الطغاة دائما يشتجر في نفوسهم العتو ، وتهيج فيهم روح البطش ، ولا يستمعون إلى كلمة الحق لأنهم يدركون أن ليس لهم ما يدفعون به هذه الكلمة إلا العنف الغليظ !
ومن ثم يواجههم القرآن الكريم بالتهديد والوعيد : ( قل : أفأنبئكم بشر من ذلكم ? ) بشر من ذلكم المنكر الذي تنطوون عليه ، ومن ذلك البطش الذي تهمون به . . ( النار ) . . وهي الرد المناسب للبطش والمنكر ( وبئس المصير ) . .
والضمير في { عليهم } عائد على كفار قريش ، والمعنى أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن من النبي عليه السلام أو من أحد من أصحابه وسمعوا ما فيه من رفض آلهتهم والدعاء إلى التوحيد عرفت المساءة في وجوههم والمنكر من معتقدهم وعداوتهم وأنهم يريدون ويتسرعون إلى السطوة بالتالي ، والمعنى أنهم { يكادون يسطون } دهرهم أجمع ، وأما في الشاذ من الأوقات فقد سطا بالتالين نحو ما فعل بعبد الله بن مسعود وبالنبي عليه السلام حين أغاثه ، وحل الأمر أبو بكر ، وبعمر حين أجاره العاصي بن وائل وأبي ذر وغير ذلك ، والسطو : إيقاع بمباطشة أو أمر بها ، ثم أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم على جهة الوعيد والتقريع { أأنبئكم } أي أخبركم { بشر من ذلكم } والإشارة ب { ذلك } إلى السطو ثم ابتدأ ينبىء كأن قائلاً قال له وما هو قال { النار } أي نار جهنم ، وقوله { وعدها الله الذين كفروا } ، يحتمل أن يكون أراد أن الله تعالى وعدهم بالنار فيكون الوعد في الشر ونحو ذلك لما نص عليه ، ولم يجىء مطلقاً ، ويحتمل أن يكون أراد أن الله تعالى وعد النار بأن يطعمها الكفار فيكون الوعد على بابه إذ الذي يقتضيه تسرعها إلى الكفار وقولها هل من مزيد{[8432]} ونحوه أن ذلك من مسارها ، و { المصير } مفعل من صار إذا تحول من حال إلى حال ع ، ويقتضي كلام الطبري في هذه الآية أن الإشارة ب { بذلكم } هي إلى أصحاب محمد التالين ثم قال : ألا أخبركم بأكره إليكم من هؤلاء أنتم الذين وعدتم النار{[8433]} وأسند نحو هذا القول إلى قائل لم يسمه وهذا كله ضعيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.