فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمُنكَرَۖ يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۗ قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكُمُۚ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (72)

وجملة : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آياتنا بَيّنَاتٍ } معطوفة على يعبدون ، وانتصاب بينات على الحال ، أي حال كونها واضحات ظاهرات الدلالة { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الذين كَفَرُوا المنكر } أي الأمر الذي ينكر ، وهو غضبهم وعبوسهم عند سماعها ، أو المراد بالمنكر : الإنكار ، أي تعرف في وجوههم إنكارها . وقيل : هو التجبر والترفع ، وجملة : { يكادون يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتنا } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : ما ذلك المنكر الذي يعرف في وجوههم ؟ فقيل : يكادون يسطون ، أي يبطشون ، والسطوة : شدّة البطش ، يقال : سطا به يسطو إذا بطش به بضرب ، أو شتم ، أو أخذ باليد ، وأصل السطو : القهر .

وهكذا ترى أهل البدع المضلة إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم عليهم من آيات الكتاب العزيز ، أو من السنة الصحيحة مخالفاً لما اعتقده من الباطل والضلالة رأيت في وجهه من المنكر ما لو تمكن من أن يسطو بذلك العالم لفعل به ما لا يفعله بالمشركين ، وقد رأينا وسمعنا من أهل البدع ما لا يحيط به الوصف ، والله ناصر الحقّ ومظهر الدين وداحض الباطل ودامغ البدع وحافظ المتكلمين بما أخذه عليهم ، المبينين للناس ما نزل إليهم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

ثم أمر رسوله أن يردّ عليهم . فقال : { قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم } أي أخبركم { بِشَرّ مّن ذلكم } الذي فيكم من الغيظ على من يتلو عليكم آيات الله ومقاربتكم للوثوب عليهم ، وهو النار التي أعدّها الله لكم ، فالنار مرتفعة على أنها خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل : ما هذا الأمر الذي هو شرّ مما نكابده ونناهده عند سماعنا ما تتلوه علينا ؟ فقال : هو { النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُوا } وقيل : إن { النار } مبتدأ وخبره جملة : { وعدها الله الذين كفروا } وقيل : المعنى : أفأخبركم بشرّ مما يلحق تالي القرآن منكم من الأذى والتوعد لهم والتوثب عليهم ؟ وقرئ «النار » بالنصب على تقدير : أعني ، وقرئ بالجرّ بدلاً من شرّ { وَبِئْسَ المصير } أي الموضع الذي تصيرون إليه ، وهو النار .

/خ72