مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمُنكَرَۖ يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۗ قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكُمُۚ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (72)

أما قوله تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } يعني من تقدم ذكره وهذه الآيات هي القرآن ، ووصفها بأنها بينات لكونها متضمنة للدلائل العقلية وبيان الأحكام ، فبين أنهم مع جهلهم إذا نبهوا على الأدلة وعرضت عليهم المعجزة ظهر في وجوههم المنكر والمراد دلالة الغيظ والغضب ، قال صاحب الكشاف المنكر الفظيع من التهجم والفجور والنشوز والإنكار ، كالمكرم بمعنى الإكرام وقرئ تعرف على ما لم يسم فاعله ، وللمفسرين في المنكر عبارات : أحدها : قال الكلبي تعرف في وجوههم الكراهية للقرآن . ثانيها : قال ابن عباس رضي الله عنهما : التجبر والترفع . وثالثها : قال مقاتل أنكروا أن يكون من الله تعالى .

أما قوله تعالى : { يكادون يسطون } فقال الخليل والفراء والزجاج : السطو شدة البطش والوثوب ، والمعنى يهمون بالبطش والوثوب تعظيما لإنكار ما خوطبوا ، به فحكى تعالى عظيم تمردهم على الأنبياء والمؤمنين ثم أمر رسوله بأن يقابلهم بالوعيد فقال : { قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار } قال صاحب الكشاف قوله : { من ذلكم } أي من غيظكم على الناس وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم ، فقوله : { من ذلكم } فيه وجهان : أحدهما : المراد أن الذي ينالكم من النار التي تكادون تقتحمونها بسوء فعالكم أعظم مما ينالكم عند تلاوة هذه الآيات من الغضب ومن هذا الغم . والثاني : أن يكون المراد { بشر من ذلكم } ما تهمون به فيمن يحاجكم فإن أكبر ما يمكنكم فيه الإهلاك ثم بعده مصيرهم إلى الجنة وأنتم تصيرون إلى النار الدائمة التي لا فرج لكم عنها ، وأما { النار } فقال صاحب الكشاف قرئ { النار } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف كأن قائلا يقول ما شر من ذلك ؟ فقيل النار أي هو النار . وبالنصب على الاختصاص وبالجر على البدل من شر . ثم بين سبحانه أنه وعدها الذين كفروا إذا ماتوا على كفرهم وهو بئس المصير ، قال صاحب الكشاف { وعدها الله } استئناف كلام ويحتمل أن تكون النار مبتدأ و { وعدها } خبرا .