المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

21- بل ألهُم آلهة شرعوا لهم من الدين ما لم يأمر به الله ؟ لم يكن ذلك ، ولولا وعد سابق بتأخر الفصل إلى يوم القيامة لقضى بين الكافرين والمؤمنين في الدنيا ، وإن الظالمين أنفسهم بالكفر لهم عذاب شديد الإيلام .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

قوله تعالى :{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } يعني كفار مكة ، يقول : إنهم سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : شرعوا لهم ديناً غير دين الإسلام . { ولولا كلمة الفصل } لولا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة ، حيث قال : { بل الساعة موعدهم } ( القمر-46 ) ، { لقضي بينهم } لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا ، { وإن الظالمين } المشركين ، { لهم عذاب أليم } في الآخرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

ومن ثم يبدأ جولة أخرى حول الحقيقة الأولى :

أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ? ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم ، وإن الظالمين لهم عذاب أليم . ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ، لهم ما يشاءون عند ربهم ، ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، قل : لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ؛ ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ، إن الله غفور شكور . .

في فقرة سابقة قرر أن ما شرعه الله للأمة المسلمة هو ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ، وهو ما أوحى به إلى محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وفي هذه الفقرة يتساءل في استنكار عما هم فيه وما هم عليه ، من ذا شرعه لهم ما دام الله لم يشرعه ? وهو مخالف لما شرعه منذ أن كان هناك رسالات وتشريعات ?

( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ? ) . .

وليس لأحد من خلق الله أن يشرع غير ما شرعه الله وأذن به كائنا من كان ؛ فالله وحده هو الذي يشرع لعباده . بما أنه - سبحانه - هو مبدع هذا الكون كله ، ومدبره بالنواميس الكلية الكبرى التي اختارها له . والحياة البشرية إن هي إلا ترس صغير في عجلة هذا الكون الكبير ، فينبغي أن يحكمها تشريع يتمشى مع تلك النواميس ؛ ولا يتحقق هذا إلا حين يشرع لها المحيط بتلك النواميس . وكل من عدا الله قاصر عن تلك الإحاطة بلا جدال . فلا يؤتمن على التشريع لحياة البشر مع ذلك القصور .

ومع وضوح هذه الحقيقة إلى حد البداهة ؛ فإن الكثيرين يجادلون فيها ، أو لا يقتنعون بها ، وهم يجرؤون على استمداد التشريع من غير ما شرع الله ، زاعمين أنهم يختارون الخير لشعوبهم ، ويوائمون بين ظروفهم والتشريع الذي ينشئونه من عند أنفسهم . كأنما هم أعلم من الله وأحكم من الله ! أو كأنما لهم شركاء من دون الله يشرعون لهم ما لم يأذن به الله ! وليس أخيب من ذلك ولا أجرأ على الله !

لقد شرع الله للبشرية ما يعلم سبحانه ، أنه يتناسق مع طبيعتها وفطرتها . وطبيعة الكون الذي تعيش فيه وفطرته . ومن ثم يحقق لهذه البشرية أقصى درجات التعاون فيما بينها ، والتعاون كذلك مع القوى الكونية الكبرى . شرع في هذا كله أصولاً ، وترك للبشر فقط استنباط التشريعات الجزئية المتجددة مع حاجات الحياة المتجددة ، في حدود المنهج الكلي والتشريعات العامة . فإذا ما اختلف البشر في شيء من هذا ردوه إلى الله ؛ ورجعوا به إلى تلك الأصول الكلية التي شرعها للناس ، لتبقى ميزاناً يزن به البشر كل تشريع جزئي وكل تطبيق .

بذلك يتوحد مصدر التشريع ، ويكون الحكم لله وحده . وهو خير الحاكمين . وما عدا هذا النهج فهو خروج على شريعة الله ، وعلى دين الله ، وعلى ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً عليهم الصلاة والسلام .

( ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم ) . .

فقد قال الله كلمة الفصل بإمهالهم إلى يوم القول الفصل . ولولاها لقضى الله بينهم ، فأخذ المخالفين لما شرعه الله ، المتبعين لشرع من عداه . لأخذهم بالجزاء العاجل . ولكنه أمهلهم ليوم الجزاء .

( وإن الظالمين لهم عذاب أليم ) . .

فهذا هو الذي ينتظرهم جزاء الظلم . وهل أظلم من المخالفة عن شرع الله إلى شرع من عداه ?

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

{ أم لهم شركاء } بل ألهم شركاء ، والهمزة للتقرير والتقريع وشركاؤهم شياطينهم . { شرعوا لهم } بالتزيين . { من الذين ما لم يأذن به الله } كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا . وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء ، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم بما تدينوا به ، أو صور من سنة لهم . { ولولا كلمة الفصل } أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء ، أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة . { لقضي بينهم } بين الكافرين والمؤمنين ، أو المشركين وشركائهم . { وإن الظالمين لهم عذاب أليم } وقرئ " أن " بالفتح عطفا على كلمة { الفصل } أي { ولولا كلمة الفصل } وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا ، فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله }

للإضراب الانتقالي وهو انتقال من الكلام على تفرق أهل الشرائع السالفة في شرائعهم مَن انقرض منهم ومن بقي كأهل الكتابين إلى الكلام على ما يشابه ذلك من الاختلاف على أصل الديانة ، وتلك مخالفة المشركين للشرائع كلّها وتلقّيهم دين الإشراك من أيمة الكفر وقادة الضلال .

ومعنى الاستفهام الذي تقضيه { أم } التي للإضراب هو هنا للتقريع والتهكّم ، فالتقريع راجع إلى أنهم شرعوا من الدّين ما لم يأذن به الله والتهكم راجع إلى من شرعوا لهم الشرك ، فسئلوا عمن شرع لهم دين الشرك : أهم شركاء آخرون اعتقدوهم شركاءَ لله في الإلهاية وفي شرع الأديان كما شرع الله للناس الأديان ؟ وهذا تهكّم بهم لأن هذا النوع من الشركاء لم يدّعِه أهل الشرك من العرب . وهذا المعنى هو الذي يساعد تنكير { شركاء } ووصْفَه بجملة { شرعوا لهم من الدين } . ويجوز أن يكون المسؤول عن الذي شرع لهم هو الأصنام التي يعبدونها ، وهو الذي درج عليه المفسرون ، فيكون { لهم } في موضع الحال من { شركاء } .

والمقصود : فضح فظاعة شركهم بعروه عن الانتساب إلى الله ، أي إن لم يكن مشروعاً من الإله الحقّ فهو مشروع من الآلهة الباطلة وهي الشركاء . وظاهر أن تلك الآلهة لا تصلح لتشريع دين لأنها لا تعقل ولا تتكلم ، فتعين أن دين الشرك دين لا مستند له . وقريب من هذا قوله تعالى : { وكذلك زَيَّن لِكَثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم } [ الأنعام : 137 ] .

وقيل المراد بالشركاء : أيمة دين الشرك أطلق عليهم اسم الشركاء مجازاً بعلاقة السببية .

وضميرَا { لهم } عائدان إلى { الذين لا يؤمنون بها } [ الشورى : 18 ] أو إلى { الذين يحاجون في الله } [ الشورى : 16 ] . والتعريف في { الدين } للجنس ، أي شرعوا لهم من جنس الدّين ما ، أي ديناً لم يأذن به الله ، أي لم يأذن بِشرعه ، أي لم يرسل به رسولاً منه ولا أوحى به بواسطة ملائكته .

{ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل لَقُضِىَ بينهم }

هو كقوله فيما تقدم { ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمى لقُضي بينهم } [ الشورى : 14 ] .

وكلمة الفصل هي : ما قدّره الله وأرادهُ من إمهالهم . والفصل : الفاصل ، أي الذي لا تردد فيه .

{ وَإِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أليم } .

عطف على جملة { ولولا كلمة الفصل } والمقصود تحقيق إمهالهم إلى أجل مسمى لا يفلتهم من المؤاخذة بما ظَلموا . والمراد بالظالمين المشركون { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .

والعذاب الأليم : عذاب الآخرة لجميعهم ، وعذاب الدّنيا بالسيف والذلّ للذين أُخّروا إلى إبَّان حلوله مثل قتلهم يوم بدر .

وَتَوْكيد الخبر بحرف التوكيد لأن هذا الخبر موجه إليهم لأنهم يسمعون هذا الكلام ويعلمون أنهم المقصودون به .