اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

قوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين . . . } الآية . لما بين القانون الأعظم في أعمال الآخرة والدنيا أردفه ببيان ما هو الأصل في باب الضَّلالة والسعادة{[49207]} فقال : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ } ومعنى الهمزة في «أم » التقرير والتقريع . والضمير في «شَرَعوا »{[49208]} يجوز أن يكون عائداً على «الشركاء » ، والضمير في «لهم » على الكفار ، ويجوز العكس ؛ لأنهم جعلوا لهم أنصباء ، والمعنى شركاؤهم أي شياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وإنكار البعث ، والعمل للدنيا . وقيل : شركاؤهم أوثانهم ، وإنما أضيفت إليهم ؛ لأنهم هم الذين اتَّخذوها شركاء لله . ولما كانت سبباً لضلالتهم جعلت شارعة لدين ضلالتهم لهم كما قال إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ الناس } [ إبراهيم : 36 ] .

قال المفسرون : يعني كفار مكة أي ( أ ){[49209]} لهم آلهة سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[49210]} شرعوا لهم ديناً غير دين الإسلام{[49211]} .

قوله : { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل } أي لولا القضاء السابق بتأخير الجزاء أو لولا الوعد بأن الفصل يكون بينهم يوم القيامة «لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ » أي بين الكافرين والمؤمنين ، أو بين المشركين وشركائهم{[49212]} .

قوله : «وإنَّ الظَّالِمِينَ » العامة بكسر «إن » على الاستئناف ومسلم بن جنوب{[49213]} والأعرج بفتحها{[49214]} عطفاً على كلمة الفصل . وفصل بين المتعاطفين بجواب «لولا » ، تقديره : ولولا كلمة واستقرار الظالمين في العذاب لَقَضِي بينهم في الدنيا{[49215]} . وهو نظير قوله : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } [ طه : 129 ] .


[49207]:في ب الشقاوة وهو الأصح.
[49208]:في ب عن وانظر الرازي السابق الكشاف 3/466 والبحر 7/515.
[49209]:الهمزة ساقطة من ب.
[49210]:زيادة من أ.
[49211]:انظر البغوي 6/120 و121.
[49212]:الرازي 27/163.
[49213]:كذا في النسختين جنوب والأصح جندب أبو عبد الله الهذلي مولاهم المدني القاص، تابعي مشهور عرض على عبد الله بن عياش ونافع وعنه ابنه وزيد بن أسلم، وابن أبي ذئب، وغيرهم مات سنة 13 هـ. انظر الغاية 2/296.
[49214]:انظر مختصر ابن خالويه 134 والكشاف 2/466.
[49215]:بالمعنى من الكشاف ـ المرجع السابق ـ وباللفظ من الدر المصون 4/752.