{ قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس } يعني الشيطان ، يكون مصدراً واسماً . قال الزجاج : يعني : الشيطان ذا الوسواس { الخناس } الرجاع ، وهو الشيطان جاثم على قلب الإنسان ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس . قال : الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان ، فإذا ذكر العبد ربه خنس . ويقال : رأسه كرأس الحية ، واضع رأسه على ثمرة القلب ، يمنيه ويحدثه ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا لم يذكر يرجع ويضع رأسه .
وقد أطلق النص الصفة أولا : ( الوسواس الخناس ) . . وحدد عمله : ( الذي يوسوس في صدور الناس ) . ثم حدد ماهيته : ( من الجنة والناس ) . . وهذا الترتيب يثير في الحس اليقظة والتلفت والانتباه لتبين حقيقة الوسواس الخناس ، بعد إطلاق صفته في أول الكلام ؛ ولإدراك طريقة فعله التي يتحقق بها شره ، تأهبا لدفعه أو مراقبته !
من شر الوسواس الخناس ، وهو الشيطان الموكل بالإنسان ، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزَين له الفواحش ، ولا يألوه جهدًا في الخبال . والمعصوم من عَصَم الله ، وقد ثبت في الصحيح أنه : " ما منكم من أحد إلا قد وُكِل به قرينه " . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، إلا أن الله أعانني عليه ، فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير " {[30907]} . وثبت في الصحيح ، عن أنس في قصة زيارة صفية النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف ، وخروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها ، فلقيه رجلان من الأنصار ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال رسول الله : " على رسلكما ، إنها صفية بنت حُيي " . فقالا : سبحان الله ، يا رسول الله . فقال : " إن الشيطان يجري من ابن آدم{[30908]} مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا ، أو قال : شرًا " {[30909]} .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن بحر ، حدثنا عدي بن أبي عمَارة ، حدثنا زيادًا{[30910]} النّميري ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان واضع خطمه{[30911]} على قلب ابن آدم ، فإن ذكر{[30912]} خَنَس ، وإن نسي{[30913]} التقم قلبه ، فذلك الوسواس الخناس " {[30914]} غريب .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، سمعت أبا تميمة يُحَدث عن رَديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عَثَر بالنبي صلى الله عليه وسلم حمارهُ ، فقلت : تَعِس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تقل : تعس الشيطان ؛ فإنك إذا قلت : تعس الشيطان ، تعاظَم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : بسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب " {[30915]} .
تفرد به أحمد ، إسناده{[30916]} جيد قوي ، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلِب ، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا الضحاك بن عثمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا كان في المسجد ، جاءه الشيطان فأبس به كما يُبَس الرجل بدابته ، فإذا سكن له زنقه أو : ألجمه " . قال أبو هُرَيرة : وأنتم ترون ذلك ، أما المزنوق فتراه مائلا - كذا - لا يذكر الله ، وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله ، عز وجل . تفرد به أحمد{[30917]} .
وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خَنَس . وكذا قال مجاهد ، وقتادة .
وقال المعتمر بن سليمان ، عن أبيه : ذُكرَ لي أن الشيطان ، أو : الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح ، فإذا ذكر الله خنس .
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : { الْوَسْوَاس } قال : هو الشيطان يأمر ، فإذا أطيع خنس .
{ الوسواس } اسم من أسماء الشيطان{[12045]} ، وهو أيضاً ما توسوس به شهوات النفس وتسوله{[12046]} ، وذلك هو الهواء الذي نهي المرء عن اتباعه ، وأمر بمعصيته ، والغضب الذي وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرحه وتركه ، حين قال له رجل : أوصني ، فقال : " لا تغضب " ، قال زدني : قال : " لا تغضب " {[12047]} . وقوله : { الخناس } معناه : على عقبه المستتر أحياناً ، وذلك في الشيطان متمكن{[12048]} إذا ذكر العبد وتعوذ وتذكر فأبصر كما قال تعالى : { إن الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون{[12049]} } [ الأعراف : 201 ] ، وإذا فرضنا ذلك في الشهوات والغضب ونحوه فهو يخنس بتذكير النفس اللوامة بلمة الملك ، وبأن الحياء يردع ، والإيمان يردع بقوة ، فتخنس تلك العوارض المتحركة ، وتنقمع عند من أعين بتوفيق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.