11- يا أيها الذّين آمنوا : لا يسخر رجال منكم من رجال آخرين ، عسى أنْ يكونوا عند الله خيراً من الساخرين . ولا يسخر نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى أن يكنَّ عند الله خيراً من الساخرات ولا يعب بعضكم بعضاً ، ولا يدْعُ الواحد أخاه بما يستكره من الألقاب . بئس الذكر للمؤمنين أن يُذكروا بالفسوق بعد اتصافهم بالإيمان ، ومن لم يرجع عمَّا نهى عنه فأولئك هم - وحدهم - الظالمون أنفسهم وغيرهم .
وقوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم } الآية ، قال ابن عباس نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه ، فيسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم ، فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد ، فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلساً يجلس فيه قام قائماً كما هو ، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس ويقول : تفسحوا تفسحوا ، فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبينه وبينه رجل ، فقال للرجل : تفسح ، فقال له : قد أصبت مجلساً فاجلس ، فجلس ثابت خلفه مغضباً ، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا فلان ، فقال له ثابت : ابن فلان ؟ وذكر أماً له كان يعير بها في الجاهلية ، فنكس الرجل رأسه واستحيا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم ، كانوا يستهزؤون بفقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة ، لما رأوا من رثاثة حالهم ، فأنزل الله تعالى في الذين آمنوا منهم : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } أي : رجال من رجال . والقوم : اسم يجمع الرجال والنساء ، وقد يختص بجمع الرجال ، { عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن } . روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عيرن أم سلمة بالقصر . وعن عكرمة عن ابن عباس : أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب ، قال لها النساء : يهودية بنت يهوديين . { ولا تلمزوا أنفسكم } أي : لا يعب بعضكم بعضاً ، ولا يطعن بعضكم على بعض ، { ولا تنابزوا بالألقاب } التنابز : التفاعل من النبز ، وهو اللقب ، وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به . قال عكرمة : هو قول الرجل للرجل : يا فاسق يا منافق يا كافر . وقال الحسن : كان اليهودي والنصراني يسلم ، فيقال : بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني ، فنهوا عن ذلك . قال عطاء : هو أن تقول لأخيك : يا كلب يا حمار يا خنزير .
وروي عن ابن عباس قال : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف من عمله . { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } أي : بئس الاسم أن يقول : يا يهودي أو يا فاسق بعدما آمن وتاب ، وقيل معناه : إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق ، بئس الاسم الفسوق بعد الاسم الإيمان ، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق ، { ومن لم يتب } من ذلك ، { فأولئك هم الظالمون } .
( يا أيها الذين آمنوا ، لا يسخر قوم من قوم ، عسى أن يكونوا خيرا منهم ؛ ولا نساء من نساء ، عسى أن يكن خيرا منهن . ولا تلمزوا أنفسكم ، ولا تنابزوا بالألقاب . بئس الاسم : الفسوق بعد الإيمان . ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) . .
إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدى القرآن مجتمع له أدب رفيع ، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس . وهي من كرامة المجموع . ولمز أي فرد هو لمز لذات النفس ، لأن الجماعة كلها وحدة ، كرامتها واحدة .
والقرآن في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب : يا أيها الذين آمنوا . وينهاهم أن يسخر قوم بقوم ، أي رجال برجال ، فلعلهم خير منهم عند الله ، أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله .
وفي التعبير إيحاء خفي بأن القيم الظاهرة التي يراها الرجال في أنفسهم ويراها النساء في أنفسهن ليست هي القيم الحقيقية ، التي يوزن بها الناس . فهناك قيم أخرى ، قد تكون خافية عليهم ، يعلمها الله ، ويزن بها العباد . وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير . والرجل القوي من الرجل الضعيف ، والرجل السوي من الرجل المؤوف . وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخام . وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم . وذو العصبية من اليتيم . . . وقد تسخر الجميلة من القبيحة ، والشابة من العجوز ، والمعتدلة من المشوهة ، والغنية من الفقيرة . . ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس ، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين !
ولكن القرآن لا يكتفي بهذا الإيحاء ، بل يستجيش عاطفة الأخوة الإيمانية ، ويذكر الذين آمنوا بأنهم نفس واحدة من يلمزها فقد لمزها : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) . . واللمز : العيب . ولكن للفظة جرسا وظلا ؛ فكأنما هي وخزة حسية لا عيبة معنوية !
ومن السخرية واللمز التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها ، ويحسون فيها سخرية وعيبا . ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به . ومن أدب المؤمن ألا يؤذي أخاه بمثل هذا . وقد غير رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أسماء وألقابا كانت في الجاهلية لأصحابها ، أحس فيها بحسه المرهف ، وقلبه الكريم ، بما يزري بأصحابها ، أو يصفهم بوصف ذميم .
والآية بعد الإيحاء بالقيم الحقيقية في ميزان الله ، وبعد استجاشة شعور الأخوة ، بل شعور الاندماج في نفس واحدة ، تستثير معنى الإيمان ، وتحذر المؤمنين من فقدان هذا الوصف الكريم ، والفسوق عنه والانحراف بالسخرية واللمز والتنابز : ( بئس الاسم : الفسوق بعد الإيمان ) . فهو شيء يشبه الارتداد عن الإيمان ! وتهدد باعتبار هذا ظلما ، والظلم أحد التعبيرات عن الشرك : ( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) . . وبذلك تضع قواعد الأدب النفسي لذلك المجتمع الفاضل الكريم .
ينهى تعالى عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس " ويروى : " وغمط الناس " {[27097]} والمراد من ذلك : احتقارهم واستصغارهم ، وهذا حرام ، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ؛ ولهذا قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ } ، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء .
وقوله : { وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } أي : لا تلمزوا الناس . والهمَّاز اللَّماز من الرجال مذموم ملعون ، كما قال [ تعالى ] :{[27098]} { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] ، فالهمز بالفعل واللمز بالقول ، كما قال : { هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } [ القلم : 11 ] أي : يحتقر الناس ويهمزهم طاعنًا عليهم ، ويمشي بينهم بالنميمة وهي : اللمز بالمقال ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } ، كما قال : { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } [ النساء : 29 ] أي : لا يقتل بعضكم بعضا{[27099]} .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومقاتل بن حَيَّان : { وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } أي : لا يطعن بعضكم على بعض .
وقوله : { وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ } أي : لا تتداعوا بالألقاب ، وهي التي يسوء الشخص سماعها .
قال{[27100]} الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : حدثني أبو جَبِيرة {[27101]} بن الضحاك قال : فينا نزلت في بني سلمة : { وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ } قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ، فكان إذا دُعِىَ أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا : يا رسول الله ، إنه يغضب من هذا . فنزلت : { وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ }
ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ، عن وُهَيْب ، عن داود ، به{[27102]} .
وقوله : { بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ } أي : بئس الصفة والاسم الفسوق وهو : التنابز بالألقاب ، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون ، بعدما دخلتم{[27103]} في الإسلام وعقلتموه ، { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ } أي : من هذا { فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن } أي لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض إذ قد يكون المسخور منه خيرا عند الله من الساخر ، والقوم مختص بالرجال لأنه إما مصدر نعت به فشاع في الجمع أو جمع لقائم كزائر وزور ، والقيام بالأمور وظيفة الرجال كما قال الله تعالى : { الرجال قوامون على النساء } وحيث فسر بالقبيلين كقوم عاد وفرعون ، فإما على التغليب أو الاكتفاء بذكر الرجال على ذكرهن لأنهن توابع ، واختيار الجمع لأن السخرية تغلب في المجامع و { عسى } باسمها استئناف بالعلة الموجبة للنهي ولا خبر لها لإغناء الاسم عنه . وقرئ " عسوا أن يكونا " و " عسين أن يكن " فهي على هذا ذات خبر . { ولا تلمزوا أنفسكم } أي ولا يغتب بعضكم بعضا فإن المؤمنين كنفس واحدة ، أو لا تفعلوا ما تلمزون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه . واللمز الطعن باللسان . وقرأ يعقوب بالضم . { ولا تنابزوا بالألقاب } ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء ، فإن النبز مختص بلقب السوء عرفا . { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسوق بعد دخولهم الإيمان واشتهارهم به ، والمراد به إما تهجين نسبة الكفر والفسق إلى المؤمنين خصوصا إذ روي أن الآية نزلت في صفية بنت حيي رضي الله عنها ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين ، فقال لها " هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد عليهم السلام " . أو للدلالة على أن التنابز فسق والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح . { ومن لم يتب } عما نهى عنه . { فأولئك هم الظالمون } بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب .
هذه الآيات والتي بعدها نزلت في خلق أهل الجاهلية . وذلك لأنهم كانوا يجرون مع الشهوات نفوسهم لم يقومهم أمر من الله ولا نهي . فكان الرجل يسطو ويهمز ويلمز وينبز بالألقاب ويظن الظنون . فيتكلم بها . ويغتاب ويفتخر بنسبه إلى غير ذلك من أخلاق النفوس البطالة . فنزلت هذه الآية تأديباً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم . وذكر بعض الناس لهذه الآيات أسباباً . فمما قيل : إن هذه الآية : { لا يسخر قوم } نزلت بسبب عكرمة بن أبي جهل وذلك أنه كان يمشي بالمدينة مسلماً ، فقال له قوم : هذا ابن فرعون هذه الأمة ، فعز ذلك عليه وشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال القاضي أبو محمد : والقوي عندي أن هذه الآية نزلت تقويماً كسائر أمر الشرع ولو تتبعت الأسباب لكانت أكثر من أن تحصى .
و : { يسخر } معناه : يستهزئ . والهزء إنما يترتب متى ضعف امرؤ إما لصغر وإما لعلة حادثة ، أو لرزية أو لنقيصة يأتيها ، فنهي المؤمنون عن الاستهزاء في هذه الأمور وغيرها نهياً عاماً ، فقد يكون ذلك المستهزأ به خيراً من الساخر ، والقوم في كلام العرب : واقع على الذكران ، وهو من أسماء الجمع : كالرهط والنفر . وقول من قال : إنه من القيام أو جمع قائم ضعيف ، ومنه قول الشاعر وهو زهير : [ الوافر ]
وما أدري وسوف إخال أدري . . . أقوم آل حصن أم نساء{[10464]}
وهذه الآية أيضاً تقتضي اختصاص القوم بالذكران ، وقد يكون مع الذكران نساء فيقال لهم قوم على تغليب حال الذكور ، ثم نهى تعالى النساء عمّا نهى عنه الرجال من ذلك .
وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود : «عسوا أن يكونوا » ، «وعسين أن يكن » .
و : { تلمزوا } ، معناه : يطعن بعضكم على بعض بذكر النقائص ونحوه ، وقد يكون اللمز بالقول وبالإشارة ونحوه مما يفهمه آخر ، والهمز لا يكون إلا باللسان ، وهو مشبه بالهمز بالعود ونحوه مما يقتضي المماسة ، قال الشاعر [ رؤبة ] :
ومن همزنا عزه تبركعا . . . {[10465]}
وقيل لأعرابي : أتهمز الفأرة ؟ فقال الهر يهمزها . وحكى الثعلبي أن اللمز ما كان في المشهد والهمز ما كان في المغيب . وحكى الزهراوي عن علي بن سليمان عَكَّهُ من ذلك فقال : الهمز أن يعيب حضرة واللمز في الغيبة . ومنه قوله تعالى : { ويل لكل همزة لمزة }{[10466]} [ الهمزة : 1 ] ومنه قوله تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات }{[10467]} [ التوبة : 58 ] .
وقرأ الجمهور : «تلمِزوا » بكسر الميم . وقرأ الأعرج والحسن : «تلمُزوا » بضم الميم . قال أبو عمرو بن العلاء : هي عربية . قراءتنا بالضم وأحياناً بالكسر .
وقوله تعالى : { أنفسكم } معناه : بعضكم بعضاً كما قال : { ولا تقتلوا أنفسكم }{[10468]} [ النساء : 29 ] كأن المؤمنين كنفس واحدة إذ هم إخوة . فهم كما قال صلى الله عليه وسلم :
«كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسهر والحمى »{[10469]} وهم كما قال أيضاً : «كالبنيان يشد بعضه بعضاً »{[10470]} . والتنابز : التلقب والنبز واللقب واحد . أو اللقب : هو ما يعرف به الإنسان من الأسماء التي يكره سماعها . وروي أن بني سلمة كانوا قد كثرت فيهم الألقاب ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً منهم فقال له : يا فلان ، فقيل له : إنه يغضب من هذا الاسم ، ثم دعا آخر كذلك . فنزلت الآية في هذا{[10471]} . وليس من هذا قول المحدثين سليمان الأعمش . وواصل الأحدب . ونحوه مما تدعو الضرورة إليه وليس فيه قصد استخفاف وأذى . وقد قال عبد الله بن مسعود لعلقمة{[10472]} : وتقول أنت ذلك يا أعور{[10473]} . وأسند النقاش إلى عطاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كنوا أولادكم ؟ » قال عطاء : مخافة الألقاب . وقال ابن زيد . معنى : { ولا تنابزوا بالألقاب } أي لا يقول أحد لأحد : يا يهودي بعد إسلامه . ولا يا فاسق بعد توبته . ونحو هذا . وحكى النقاش أن كعب بن مالك وابن أبي حدرد تلاحيا{[10474]} ، فقال له كعب : يا أعرابي . يريد أن يبعده من الهجرة . فقال له الآخر : يا يهودي . يريد لمخالطة الأنصار اليهود في يثرب . فنزلت الآية .
وقوله تعالى : { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } يحتمل معنيين : أحدهما : بئس اسم تكتسبونه بعصيانكم ونبزكم بالألقاب فتكونون فساقاً بالمعصية بعد إيمانكم . والثاني : بئس ما يقول الرجل لأخيه : يا فاسق بعد إيمانه . وقال الرماني : هذه الآية تدل على أنه لا يجتمع الفسق والإيمان .
قال القاضي أبو محمد : وهذه نزعة اعتزالية .
ثم شدد تعالى عليهم النهي . بأن حكم بظلم من لم يتب ويقلع عن هذه الأشياء التي نهى عنها .