60- ذلك شأننا في مجازاة الناس : لا نظلمهم ، والمؤمن الذي يقتص ممن جنى عليه ، ويجازيه بمثل اعتدائه دون زيادة ، ثم يتمادى الجاني في الاعتداء عليه بعد ذلك ، فإن اللَّه يعطى عهدا مؤكدا بنصره على من تعدى عليه ، وإن اللَّه لكثير العفو عمن جازى بمثل ما وقع عليه ، فلا يؤاخذه به ، كثير المغفرة فيستر هفوات عبده الطائع ولا يفضحه يوم القيامة .
قوله تعالى : { ذلك } يعني : الأمر ذلك الذي قصصنا عليكم ، { ومن عاقب بمثل ما عوقب به } جازى الظالم بمثل ما ظلمه . قال الحسن : يعني قاتل المشركين كما قاتلوه { ثم بغي عليه } يعني : ظلم بإخراجه من منزله يعني : ما أتاه المشركون من البغي على المسلمين حتى أحوجوهم إلى مفارقة أوطانهم ، نزلت في قوم من المشركين أتوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام فأبى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم ، قال الله تعالى : { لينصرنه الله } والعقاب الأول بمعنى الجزاء ، { إن الله لعفو غفور } عفا عن مساوئ المؤمنين وغفر لهم ذنوبهم .
فأما الذين يقع عليهم العدوان من البشر فقد لا يحلمون ولا يصبرون ، فيردون العدوان ، ويعاقبون بمثل ما وقع عليهم من الأذى . فإن لم يكف المعتدون ، وعاودوا البغي على المظلومين تكفل الله عندئذ بنصر المظلومين على المعتدين :
( ذلك . ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله . إن الله لعفو غفور )وشرط هذا النصر أن يكون العقاب قصاصا على اعتداء لا عدوانا ولا تبطرا ؛ وألا يتجاوز العقاب مثل ما وقع من العدوان دون مغالاة .
ويعقب على رد الاعتداء بمثله بأن الله عفو غفور . فهو الذي يملك العفو والمغفرة . أما البشر فقد لا يعفون ولا يغفرون ، وقد يؤثرون القصاص ورد العدوان . وهذا لهم بحكم بشريتهم ولهم النصر من الله .
وقوله : { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ } ، ذكر{[20395]} مقاتل بن حيان وابن جريج أنها نزلت في سرية من الصحابة ، لقوا جمعًا من المشركين في شهر محرم ، فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام ، فأبى المشركون إلا قتالهم وبغوا عليهم ، فقاتلهم المسلمون ، فنصرهم الله عليهم ، [ و ]{[20396]} { إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنّهُ اللّهُ إِنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : ذلكَ لهذا لهؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله ، ثم قُتلوا أو ماتوا ، ولهم مع ذلك أيضا أن الله يعدهم النصر على المشركين الذين بغوا عليهم فأخرجوهم من ديارهم . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : ذلكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ قال : هم المشركون بغَوْا على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فوعده الله أن ينصره ، وقال في القصاص أيضا .
وكان بعضهم يزعم أن هذه الاَية نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم ، وكان المسلمون يكرهون القتال يومئذ في الأشهر الحرم ، فسأل المسلمون المشركين أن يكفّوا عن قتالهم من أجل حرمة الشهر ، فأبى المشركون ذلك ، وقاتلوهم فبغَوْا عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنُصروا عليهم ، فأنزل الله هذه الاَية : ذلكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمّ بُغِيَ عَلَيْهِ بأن بدىء بالقتال وهو له كاره ، لَيَنْصُرَنّهُ اللّهُ . ( وقوله : إنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ يقول تعالى ذكره : إن الله لذو عفو وصفح لمن انتصر ممن ظلمه من بعد ما ظلمه الظالم بحقّ ، غفور لما فعل ببادئه بالظلم مثل الذي فعل به غير معاقبه عليه .
{ ذلك } أي الأمر ذلك . { ومن عاقب بمثل ما عوقب به } ولم يزد في الاقتصاص ، وإنما سمي الابتداء بالعقاب الذي هو الجزاء للازدواج أو لأنه سببه . { ثم بغي عليه } بالمعاودة إلى العقوبة . { لينصرنه الله } لا محالة . { إن الله لعفو غفور } للمنتصر حيث اتبع هواه في الانتقام وأعرض عما ندب الله عليه بقوله ولمن صبر وغفران ذلك لمن عزم الأمور وفيه تعريض بالحث على العفو والمغفرة ، فإنه تعالى مع كمال قدرته وتعالي شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك أولى ، وتنبيه على أنه تعالى قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده .
وقوله تعالى : { ذلك } ، إلى قوله { الكبير } المعنى الأمر ذلك ، ثم أخبر تعالى عمن عاقب من المؤمنين من ظلمه من الكفرة ووعد المبغي عليه بأنه ينصره وسمي الذنب في هذه الآية باسم العقوبة كما تسمى العقوبة كثيراً الذنب وهذا كله تجوز واتساع ، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم كفار في أشهر الحرم فأبى المؤمنون من قتالهم وأبى المشركون إلا القتال فلما اقتتلوا جد المؤمنون ونصرهم الله ، فنزلت هذه الآية فيهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.