فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ( 60 ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( 61 ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ( 62 ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ( 63 ) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( 64 ) } .

{ ذَلِكَ } أي ما تقدم أو الأمر ذلك وما بعده مستأنف . وقال الزجاج : أي الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد للمهاجرين خاصة إذا قتلوا أو ماتوا ، فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف .

{ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه ، والعقاب مأخوذ من التعاقب وهو مجيء الشيء بعد غيره ، وحينئذ يسمى الابتداء عقابا باسم الجزاء مشاكلة كقوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ، أو من قبيل تسمية السبب باسم المسبب ، والعقوبة في الأصل إنما تكون بعد فعل تكون جزاء عنه ؛ والمراد بالمثلية أنه اقتصر على المقدار الذي ظلم به ولم يزد عليه .

عن ابن جرير قال : تعاون المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخرجوه فوعده الله أن ينصره ، وهو في القصاص أيضا { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } أي أن الظالم له في الابتداء عاوده بالمظلمة بعد تلك المظلمة الأولى .

وقيل المراد بهذا البغي هو ما وقع من المشركين من إزعاج المسلمين من أوطانهم بعد أن كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به . وقيل المعنى ثم كان المجازي مبغيا عليه ، أي مظلوما ، ومعنى { ثم } تفاوت الرتبة ، لأن الابتداء بالقتال معه نوع ظلم ، كما قيل في أمثال العرب : البادئ أظلم . وقيل إن هذه الآية مدنية ، وهي في القصاص والجراحات

{ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ } اللام جواب قسم محذوف ، أي والله لينصرن الله المبغي عليه على الباغي { إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي لكثير العفو والغفران للمؤمنين فيما وقع منهم من الذنوب أو القتال في الشهر الحرام وقيل العفو والغفران لما وقع من المؤمنين من ترجيح الانتقام على العفو .