الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

ثم قال : { ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه }[ 58 ] .

أي : الأمر ذلك ومن عاقب .

وقيل : معناه : هذا لهؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ولهم مع ذلك القضاء{[47160]} على المشركين الذين بغوا عليهم ، وأخرجوهم من ديارهم .

قال ابن جريج{[47161]} في الآية : هم المشركون ، بغوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجوه ، فوعده الله أن ينصره وقال{[47162]} : إن هذه الآية نزلت في قوم من المشركين ، لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا{[47163]} من المحرم ، فكره المسلمون القتال في الشهر الحرام ، وسألوا المشركين أن يكفوا عن القتال ، فأبى المشركون ذلك فقاتلوهم وبغوا عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم ، فأنزل الله الآية فيكون معنى { ثم بغى } : بدئ بالقتال وهو له كاره لينصرنه الله على من بَغَى عليه . وسمى الجزاء عقوبة لأنه جزاء على عقوبة فسمي باسمه ، كما قال : { الله يستهزئ بهم }{[47164]} و{ مكر الله }{[47165]} وشبهه ، مثل { وجزاء سيئة{[47166]} سيئة مثلها } فالأولى : سيئة والثانية حسنة ، إلا أنها سميت سيئة ، لأنها وقعت إساءة بالمفعول ، لأنه فعل به ما يسوء ، كذلك سمي الجزاء على العقوبة عقوبة لأنه عقوبة بالمبتدئ بالشر .

ثم قال تعالى : { إن الله لعفو غفور }[ 58 ] .

أي : لذو عفو وصفح{[47167]} لمن انتصر به من ظلمة من بعدما ظلمة الظالم ، غفور لمن فعل بمن ظلمه .


[47160]:ز: النصر.
[47161]:انظر: جامع البيان 17/195 والدر المنثور 4/369.
[47162]:ز: وقيل. (تحريف). وهو تتمة لقول ابن جريج السابق.
[47163]:ز: بقية. (تحريف).
[47164]:البقرة آية 14.
[47165]:آل عمران آية 53.
[47166]:الشورى آية 37.
[47167]:ز: صلح.