قوله تعالى : { ذلك وَمَنْ عَاقَبَ } «ذَلِكَ » خبر مبتدأ مضمر أي : الأمر ذلك وما بعده مستأنف{[31712]} . والباء في قوله : { بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } للسببية في الموضعين قاله أبو البقاء{[31713]} والذي يظهر أن الأولى يشبه أن تكون للآلة . «وَمَنْ عَاقَبَ » مبتدأ خبره «لَيَنْصُرَنَّه اللَّهُ » {[31714]} .
المعنى : الأمر ذلك الذي قصصناه عليك { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي قاتل من كان يقاتله ، ثم كان المقاتل مبغياً عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن وابتُدِئ بالقتال {[31715]} .
قال مقاتل : نزلت في قوم من قريش أتوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من{[31716]} المحرم ، وكره المسلمون قتالهم ، وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام ، فأبوا وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنُصِروا ، فوقع في أنفس{[31717]} المسلمين من القتال في الشهر الحرام . فأنزل الله هذه الآية ، وعفا عنهم وغفر لهم {[31718]} .
والعقاب الأول بمعنى الجزاء ، وأطلق اسم العقوبة على الأول للتعلق الذي بينه وبين الثاني كقوله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }{[31719]} [ الشورى : 40 ] { يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ }{[31720]} {[31721]} [ النساء : 142 ] .
وهذه النُّصْرة تقوي تأويل من تأول الآية على مجاهدة الكفار لا على القصاص لأن ظاهر النص لا يليق إلا بذلك . وقال الضحاك : هذه الآية في القصاص والجراحات لأنها مدنية {[31722]} .
قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه : من حَرَّق حَرَّقْنَاه ، ومن غَرَّق غَرَّقْنَاه لهذا الآية ، فإن الله تعالى جوَّز للمظلوم أن يعاقب بمثل ما عوقب به ووعده النصر . وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى : بل يقتل بالسيف . فإن قيل : كيف تعلق الآية بما قبلها ؟
فالجواب : كأنه تعالى قال : مع إكرامي لهم في الآخرة بهذا الوعد لا أدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم {[31723]} .
ثم قال : { إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي إن الله ندب المعاقبين إلى العفو عن الجاني بقوله : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله }{[31724]} [ الشورى : 40 ] { وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى }{[31725]} [ البقرة : 237 ] { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور }{[31726]} [ الشورى : 43 ] فلما لم يأت بهذا المندوب فهو نوع إساءة فكأنه تعالى قال : إني عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها . وقيل : إنه تعالى وإن ضمن له النصر على الباغي لكنه عرض مع ذلك بما هو أولى وهو العفو والمغفرة ، فلوَّح بذكر هاتين الصفتين .
وفيه وجه آخر وهو أنه تعالى دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده {[31727]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.