البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

{ ذلك ومن عاقب } الآية قيل : نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم كفار في الأشهر الحرم فأبى المؤمنون من قتالهم وأبى المشركون إلاّ القتال ، فلما اقتتلوا جدّ المؤمنون ونصرهم الله .

ومناسبتها لما قبلها واضحة وهو أنه تعالى لما ذكر ثواب من هاجر وقتل أو مات في سبيل الله أخبر أنه لا يدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم .

وقال ابن جريج : الآية في المشركين بغوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجوه والتقدير الأمر ذلك .

قال الزمخشري : تسمية الابتداء بالجزاء لملابسته له من حيث إنه سبب وذلك مسبب عنه كما يجملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة فإن قلت : كيف طابق ذكر العفو الغفور هذا الموضع ؟ قلت : المعاقب مبعوث من جهة الله عز وجل على الإخلال بالعقاب ، والعفو عن الجاني على طريق التنزيه لا التحريم ومندوب إليه ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه ، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب ولم ينظر في قول { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } { وأن تعفوا أقرب للتقوى } { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } فإن { الله لعفوّ غفور } أي لا يلومه على ترك ما بعثه عليه وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه ، ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي فيعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو ، ويلوح به ذكر هاتين الصفتين أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلاّ القادر على حده ذلك ، أي ذلك النصر بسبب أنه قادر .