غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

ثم بين أنه مع إكرامه لهم في الآخرة لا يدع نصرهم في الدنيا قبل أن يقتلوا أو يموتوا فقال : { ذلك } قال الزجاج : أي الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد للمهاجرين خاصةً إذا قتلوا أو ماتوا . عن مقاتل : أن قوماً من المشركين لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا : إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم ، فناشدهم المسلمون أن يكفوا عن قتالهم لحرمة الشهر فأبوا وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم وثبت لهم المسلمون فنصروا ، فوقع في أنفس المسلمين شيء من القتال في الشهر الحرام فنزل { ومن عاقب } أي قاتل { بمثل ما عوقب به } أي كما ابتدئ بقتاله سمي الابتداء باسم الجزاء للطباق وللملابسة من حيث إن ذلك سبب وهذا مسبب عنه { ثم بغي عليه } أي ثم كان المجازي مبغياً عليه أي مظلوماً .

ومعنى " ثم " تفاوت الرتبة لأن كونه مبدوأ بالقتال معه نوع ظلم كما قيل " البادي أظلم " وهو موجب لتنصرته ظاهراً إلا أن كونه في نفس الأمر مظلوماً هو السبب الأصلي في النصرة . وعن الضحاك أن الآية مدنية وهي في القصاص والجراحات . واستدل الشافعي بها في وجوب رعاية المماثلة في القصاص فقال : من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه . وفي ختم الآية بذكر العفو والمغفرة وجوه منها : أن المندوب للمجني عليه هو أن يعفو عن الجاني كقوله { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } [ الشورى : 40 ] وكأنه قال : أنا ضامن لنصرته إن ترك الانتقام وطلب إكثار ما هو أولى به فإِني عفوّ غفور . ومنها أنه ضمن النصر على الباغي ولوح بذكر هاتين الصفتين بما هو أولى بالمجني عليه وهو العفو والصفح . ومنها أن دل بذكرهما على أنه قادر على العقوبة لأن العفو عند المقدرة .

/خ64