جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنّهُ اللّهُ إِنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : ذلكَ لهذا لهؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله ، ثم قُتلوا أو ماتوا ، ولهم مع ذلك أيضا أن الله يعدهم النصر على المشركين الذين بغوا عليهم فأخرجوهم من ديارهم . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : ذلكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ قال : هم المشركون بغَوْا على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فوعده الله أن ينصره ، وقال في القصاص أيضا .

وكان بعضهم يزعم أن هذه الاَية نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم ، وكان المسلمون يكرهون القتال يومئذ في الأشهر الحرم ، فسأل المسلمون المشركين أن يكفّوا عن قتالهم من أجل حرمة الشهر ، فأبى المشركون ذلك ، وقاتلوهم فبغَوْا عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنُصروا عليهم ، فأنزل الله هذه الاَية : ذلكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمّ بُغِيَ عَلَيْهِ بأن بدىء بالقتال وهو له كاره ، لَيَنْصُرَنّهُ اللّهُ . ( وقوله : إنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ يقول تعالى ذكره : إن الله لذو عفو وصفح لمن انتصر ممن ظلمه من بعد ما ظلمه الظالم بحقّ ، غفور لما فعل ببادئه بالظلم مثل الذي فعل به غير معاقبه عليه .