تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

الآية 60 : وقوله تعالى : { ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به }قد ذكرنا في ما تقدم أنه جائز في اللغة ذكر حرف : ذلك وحرف . هذا على الابتداء ، وإن كان مما يخبر به عن غائب ، نحو قوله : { هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مئاب }( ص : 49 ) ( وقوله ){[13194]} { هذا وإن للطاغين لشر مئاب }( ص : 55 ) يستقيم ذكره بدون ذكر هذا ، و هو أن يقول : وإن للمتقين كذا ، و إن للطاغين كذا . فعلى ذلك هذا ، أو أن يكون ذلك صلة ما سبق من ذكر الأنبياء ؛ يقول : ذلك الذي ذكرت لك ، وأنبأتك : من عاقب بمثل ما عُوقب به .

ثم اختلف في سبب نزول هذه الآية : قال بعضهم : هي في القصاص : من قتل ولي آخر ، فاقتص منه ، ثم إن المقتص منه بغى على ولي المقتول ، فقتله{ لينصرنه الله }على من بغى عليه . وهو ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة }ثم قال : { فمن اعتدى بعد ذلك فله ( عذاب أليم } ){[13195]} ( البقرة : 178 ) .

لكن ذكر ههنا الاعتداء بعدما أخذ المال ، وعفا . وفي الأول البغي بعد القصاص ، وهو واحد في معناه .

وقال بعضهم : نزل في المؤمنين والمشركين ؛ وذلك أن المشركين عاقبوا المؤمنين بعقوبات ، واعتدوا عليهم . ثم إن المسلمين ظفروا بهم ، فعاقبوهم جزاء عقوبتهم ، ثم إن المشركين بغوا على المؤمنين ، فوعد الله لهم بالنصر عليهم بعد البغي .

وقال بعضهم قريبا من هذا ؛ وهو أن المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول الله ومن آمن منهم ، ويعاقبونهم في أشهر الحج ، ولم يكن للمؤمنين إذن بقتالهم في ذلك الوقت ، فقاتلوهم مكافأة لهم . فأخبر الله عز و جل و وعد لهم النصر إذا بغى أولئك عليهم من بعد . فعلى هذا التأويل يكون وعد النصر لهم إذا بغى أولئك عليهم من بعد . وعلى التأويل الأول يكون لهم الوعد بالنصر بعدما بغى أولئك على هؤلاء ، والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : { إن الله لعفو غفور } أمر للمؤمنين بقتالهم أولئك في أشهر الحج حين{[13196]} كان لم يأذن لهم بالقتال ، أو { إن الله لعفو غفور } إذا تابوا ورجعوا عما فعلوا والله أعلم .


[13194]:ساقطة من الأصل وم.
[13195]:في الأصل وم: كذا.
[13196]:ساقطة من الأصل وم.