الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

تسمية الابتداء بالجزاء لملابسته له من حيث أنه سبب وذاك مسبب عنه كما يحملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة .

فإن قلت : كيف طابق ذكر العفوّ الغفور هذا الموضع ؟ قلت : المعاقب مبعوث من جهة الله عزّ وجلّ على الإخلال بالعقاب ، والعفو عن الجاني - على طريق التنزيه لا التحريم - ومندوب إليه ، ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه ، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب ، ولم ينظر في قوله تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله } [ الشورى : 40 ] ، { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى } [ البقرة : 237 ] ، { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور } [ الشورى : 43 ] : إنَّ الله لعفو غفور ، أي : لا يلومه على ترك ما بعثه عليه ، وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه . ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي ، ويعرّض مع ذلك بما كان أولى به من العفو ، ويلوّح به بذكر هاتين الصفتين . أو دلّ بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة ، لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضدّه .