المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

3- الخبيث الذي من دأبه الزنا ، لا يرغب إلا في نكاح خبيثة عرفت الزنا أو الشرك ، والخبيثة التي من دأبها الزنا لا يرغب في نكاحها إلا خبيث عرف بالزنا أو الشرك . ولا يليق هذا النكاح بالمؤمنين لما فيه من التشبه بالفسق . والتعرض للتهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

قوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانيةً أو مشركةً والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها ، فقال قوم : قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن ، وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب أناس من فقراء المسلمين في نكاحهن لينفقن عليهم ، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { وحرم ذلك على المؤمنين } أن يتزوجوا تلك البغايا لأنهن كن مشركات ، وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي ، ورواية العوفي عن ابن عباس . وقال عكرمة : نزلت في نساء بمكة والمدينة ، منهن تسع لهن رايات كرايات البيطار يعرفن بها ، منهن أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، فكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة ، فاستأذن رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول واشترطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله هذه الآية . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، وكانت بمكة بغي يقال لها عناق ، وكانت صديقة له في الجاهلية ، فلما أتى مكة دعته إلى نفسها ، فقال مرثد : إن الله حرم الزنا ، قالت : فانكحني ، فقال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقاً ؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد شيئاً ، فنزلت : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال لي : لا تنكحها " . فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصاً في حق أولئك دون سائر الناس . وقال قوم : المراد من النكاح هو الجماع ، ومعناه : أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا تزني إلا بزان أو مشرك ، وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ، ورواية الوالبي عن ابن عباس ، قال يزيد بن هارون : إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك ، وإن جامعها وهو محرم فهو زان ، وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول : إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان أبداً . وقال الحسن : الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود . قال سعيد بن المسيب وجماعة : إن حكم الآية منسوخ ، فكان نكاح الزانية حراماً بهذه الآية فنسخها قوله { وأنكحوا الأيامى منكم } فدخلت الزانية في أيامى المسلمين . واحتج من جوز نكاح الزانية .

أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أنبأنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، أنبأنا الحسن بن فرج ، أنبأنا عمرو بن خالد الحراني ، أنبأنا عبيد الله عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس . قال : طلقها ، قال : فإني أحبها وهي جميلة ، قال : استمتع بها . وفي رواية غيره فأمسكها إذاً " وروي أن عمر بن الخطاب ضرب رجلاً وامرأة في زنا وحرض أن يجمع بينهما فأبى الغلام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

هذا بيان لرذيلة الزنا ، وأنه يدنس عرض صاحبه ، وعرض من قارنه ومازجه ، ما لا يفعله بقية الذنوب ، فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء ، إلا أنثى زانية ، تناسب حاله حالها ، أو مشركة بالله ، لا تؤمن ببعث ولا جزاء ، ولا تلتزم أمر الله ، والزانية كذلك ، لا ينكحها إلا زان أو مشرك { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ْ } أي : حرم عليهم أن ينكحوا زانيا ، أو ينكحوا زانية .

ومعنى الآية : أن من اتصف بالزنا ، من رجل أو امرأة ، ولم يتب من ذلك ، أن المقدم على نكاحه ، مع تحريم الله لذلك ، لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فذاك لا يكون إلا مشركا ، وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه ، فإن هذا النكاح زنا ، والناكح زان مسافح ، فلو كان مؤمنا بالله حقا ، لم يقدم على ذلك ، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب ، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب ، فإن مقارنة الزوج لزوجته ، والزوجة لزوجها ، أشد الاقترانات والازدواجات ، وقد قال تعالى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ْ } أي : قرناءهم ، فحرم الله ذلك ، لما فيه من الشر العظيم ، وفيه من قلة الغيرة ، وإلحاق الأولاد ، الذين ليسوا من الزوج ، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها ، مما بعضه كاف للتحريم{[556]} وفي هذا دليل أن الزاني ليس مؤمنا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فهو وإن لم يكن مشركا ، فلا يطلق عليه اسم المدح ، الذي هو الإيمان المطلق .


[556]:- في ب: كاف في التحريم
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

هذا خَبَر من الله تعالى بأن الزاني لا يَطأ إلا زانية أو مشركة . أي : لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة ، لا ترى حرمة ذلك ، وكذلك : { الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ } أي : عاص بزناه ، { أَوْ مُشْرِكٌ } لا يعتقد تحريمه .

قال سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي عَمَرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } قال : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع ، لا يزني بها إلا زانٍ أو مشرك .

وهذا إسناد صحيح عنه ، وقد رُوي عنه من غير وجه أيضا . وقد رُوي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعُرْوَة بن الزبير ، والضحاك ، ومكحول ، ومُقَاتِل بن حَيَّان ، وغير واحد ، نحوُ ذلك .

وقوله تعالى : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أي : تعاطيه والتزويج بالبغايا ، أو تزويج العفائف بالفجار من الرجال .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا قَيْس ، عن أبي حُصَين ، عن سعيد بن جُبَيْرٍ ، عن ابن عباس : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قال : حَّرم الله الزنى على المؤمنين .

وقال قتادة ، ومقاتل بن حَيّان : حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا ، وتَقَدّم في ذلك فقال : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }

وهذه الآية كقوله تعالى : { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } [ النساء : 25 ] وقوله { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } الآية [ المائدة : 5 ] ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ، حتى يتوب توبة صحيحة ؛ لقوله تعالى : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }

وقال الإمام أحمد : حدثنا عارم{[20760]} ، حدثنا مُعْتَمِر بن سليمان قال : قال أبي : حدثنا الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عَمْرو ، رضي الله عنهما ، أن رجلا من المسلمين استأذنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها : " أم مهزول " كانت تسافح ، وتشترط له أن تنفق عليه - قال : فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو : ذكر له أمرها - قال : فقرأ عليه رسول{[20761]} الله صلى الله عليه وسلم : { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } {[20762]} .

وقال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو قال : كانت امرأة يقال لها : " أم مهزول " وكانت تسافح ، فأراد رجل من أصحاب رسول{[20763]} الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها ، فأنزل الله عز وجل : { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } {[20764]} .

[ و ]{[20765]} قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا روح بن عُبَادة بن عُبَيد الله بن الأخنس ، أخبرني عمرو بن شُعَيب عن أبيه ، عن جده قال : كان رجل يقال له " مَرْثَد بن أبي مرثد " وكان رجلا يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة . قال : وكانت امرأةٌ بَغي{[20766]} بمكة يقال لها " عَنَاق " ، وكانت صديقة له ، وأنه واعد{[20767]} رجلا من أسارى مكة يحمله . قال : فجئت حتى انتهيتُ إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ، قال : فجاءت " عناق " فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ، فلما انتهت إليّ عرفتني{[20768]} ، فقالت : مَرْثَد ؟ فقلت : مرثد فقالت : مرحبًا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة . قال : فقلت{[20769]} يا عناق ، حرم الله الزنى . فقالت{[20770]} يا أهل الخيام ، هذا الرجل يحمل أسراكم . قال : فتبعني ثمانية ودخلت الحَندمة{[20771]} فانتهيت إلى غار - أو كهف فدخلت فيه{[20772]} فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا ، فظل بولهم على رأسي ، فأعماهم الله عني - قال : ثم رجعوا ، فرجعت إلى صاحبي فحملته ، وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ، ففككت عنه أكبُله ، {[20773]} فجعلت أحمله ويعِينني ، حتى أتيت به{[20774]} المدينة ، فأتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنكح عناقا ؟ أنكح عناقا ؟ - مرتين - فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يرد علي شيئا ، حتى نزلت { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا مرثد ، { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [ وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ] } {[20775]}

فلا تنكحها " ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وقد رواه أبو داود والنسائي ، في كتاب النكاح من سننهما{[20776]} من حديث عبيد الله بن الأخنس ، به{[20777]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مُسَدَّد أبو الحسن ، حدثنا عبد الوارث ، عن حبيب المعلم ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن سعيد المَقْبُرِيّ ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " .

وهكذا أخرجه أبو داود في سننه ، عن مسدد وأبي معمر - عبد الله بن عمرو - كلاهما ، عن عبد الوارث ، به{[20778]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن أخيه عمر بن محمد ، عن عبد الله بن يسار - مولى ابن عمر - قال : أشهد لسمعت سالما يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يدخلون الجنة ، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة - المتشبهة بالرجال - والديوث . وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومُدْمِن الخمر ، والمنَّان بما أعطى " .

ورواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يزيد بن زُرَيع ، عن عُمَر بن محمد العُمَري ، عن عبد الله بن يسار ، به{[20779]} .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد بن كثير ، عن قَطَن بن وهب ، عن عُوَيْمر بن الأجدع ، عمن حدثه ، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : حدثني عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والدَّيُّوث الذي يقر في أهله الخبث " {[20780]} .

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا شعبة ، حدثني رجل - من آل سهل بن حُنَيْف - ، عن محمد بن عَمَّار ، عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة دَيُّوث " {[20781]} .

يستشهد به لما قبله من الأحاديث .

وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سَلام بن سَوَّار ، حدثنا كَثِير بن سُلَيم ، عن الضحاك بن مُزَاحِم : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول ]{[20782]} " من أراد أن يلقى الله طاهرًا مُطَهَّرًا ، فليتزوج الحرائر " .

في إسناده ضعف{[20783]} .

قال الإمام أبو نصر إسماعيل بن حَمَّاد الجوهري في كتاب " الصحاح في اللغة : " الدَّيُّوث القُنذُع وهو الذي لا غَيرَةَ له{[20784]} .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب " النكاح " من{[20785]} سننه : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن عُلَيَّة ، عن يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة وغيره ، عن هارون ابن رئاب ، عن عبد الله بن عُبَيد بن عمير - وعبد الكريم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس - عبدُ الكريم رفعه إلى ابن عباس ، وهارون لم يرفعه - قالا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي امرأة [ هي ]{[20786]} من أحبِّ الناس إلي{[20787]} وهي لا تمنع يد لامِس قال : " طلقها " . قال : لا صبر لي عنها قال : " استمتع بها " ، ثم قال النسائي : هذا الحديث غير ثابت ، وعبد الكريم ليس بالقوي ، وهارون أثبت منه ، وقد أرسل الحديث وهو ثقة ، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم . {[20788]} .

قلت : وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث ، وقد خالفه هارون بن رئاب ، وهو تابعي ثقة من رجال مسلم ، فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي . لكن قد رواه النسائي في كتاب " الطلاق " ، عن إسحاق بن راهويه ، عن النضر بن شمَُيل{[20789]} عن حماد بن سلمة ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عُبَيد بن عمير ، عن ابن عباس مسندا ، فذكره بهذا الإسناد ، رجاله على شرط مسلم ، إلا أن النسائي بعد روايته له قال : " وهذا خطأ ، والصواب مرسل " {[20790]} ورواه غير النضر على الصواب .

وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود ، عن الحسين بن حُرَيث ، أخبرنا الفضل بن موسى ، أخبرنا الحسين بن واقد ، عن عُمَارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وهذا إسناد جيد{[20791]} .

وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مُضَعِّف له ، كما تقدَّم ، عن النسائي ، وكما قال الإمام أحمد : هو حديث منكر .

وقال ابن قتيبة : إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلا . وحكاه النسائي في سننه ، عن بعضهم فقال : وقيل : " سخية تعطي " ، ورُدّ هذا بأنه لو كان المراد لقال : لا تَرُدّ يد ملتمس .

وقيل : المراد أن سجيتها لا تَرُدّ يد لامس ، لا أن المراد أن هذا واقع منها ، وأنها تفعل الفاحشة ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها . فإن زوجها - والحالة هذه - يكون دَيّوثا ، وقد تقدم الوعيد على ذلك . ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد ، أمره رسولُ صلى الله عليه وسلم بفراقها . فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها ؛ لأن محبته لها محققة ، ووقوع الفاحشة منها متوهم{[20792]} فلا يُصَار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

قالوا : فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج ، كما قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم رحمه الله :

حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا أبو خالد ، عن ابن أبي ذئب ، قال : سمعت [ شعبة ]{[20793]} -مولى ابن عباس ، رضي الله عنه - قال : سمعت ابن عباس وسأله رجل قال{[20794]} : إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما حَرّم الله عز وجل عليّ ، فرزق الله عز وجل من ذلك توبة ، فأردت أن أتزوجها ، فقال أناس : إن الزاني لا ينكح إلا زانية . فقال ابن عباس : ليس هذا في هذا ، انكحها فما كان من إثم فعلي .

وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الآية منسوخة ، قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد ابن المسيب . قال : ذُكر عنده { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } قال : كان يقال : نسختها [ الآية ]{[20795]} التي بعدها : { وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ } [ النور : 32 ] قال : كان يقال الأيامى من المسلمين .

وهكذا رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الناسخ والمنسوخ " له ، عن سعيد بن المسيب . ونص على ذلك أيضا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله .


[20760]:- في ف ، أ : "عارم بن الفضل".
[20761]:- في ف ، أ : "نبي".
[20762]:- المسند (2/159).
[20763]:- في ف : "النبي".
[20764]:- النسائي في السنن الكبرى برقم (11359).
[20765]:- زيادة في ف ، أ.
[20766]:- في أ : "تغني".
[20767]:- في ف : "وعد"
[20768]:- في ف ، أ : "عرفت".
[20769]:- في ف : "قلت".
[20770]:- في ف : "قالت".
[20771]:- في ف ، أ : "الحديقة".
[20772]:- في أ : "به".
[20773]:- في أ : "أكليلة".
[20774]:- في ف : "قدمت".
[20775]:- زيادة من ف ، أ.
[20776]:- في ف : "سننيهما"
[20777]:- سنن الترمذي برقم (3177) وسنن أبي داود برقم (2051) وسنن النسائي (6/66).
[20778]:- سنن أبي داود برقم (2052).
[20779]:- المسند (2/134) وسنن النسائي (8/80).
[20780]:- المسند (2/69) وقال الهيثمي في المجمع (8/147) : "فيه راوٍ لم يسم".
[20781]:- مسند الطيالسي برقم (642).
[20782]:- زيادة من ف ، أ.
[20783]:- سنن ابن ماجه برقم (1862) ووجه ضعف إسناده ؛ لأن فيه كثير بن سليم ، وهو ضعيف ، وسلام هو ابن سليمان بن سوار المدائني ، قال ابن عدي : "عنده مناكير" وقال العقيلي : "في حديثه مناكير" قال ذلك البوصيري في مصباح الزجاجة (2/73).
[20784]:- الصحاح (1/282).
[20785]:- في ف ، أ : "في.
[20786]:- زيادة من ف ، أ ، والنسائي.
[20787]:- في ف : "لي".
[20788]:- سنن النسائي (6/67)
[20789]:- في ف ، أ : "إسماعيل".
[20790]:- سنن النسائي (6/170).
[20791]:- سنن النسائي (6/169).
[20792]:- في أ : "يتوهم".
[20793]:- زيادة من ف ، أ.
[20794]:- في أ : "فقال".
[20795]:- زيادة من ف ، أ.