قوله تعالى : { اليوم بما كنتم تكفرون اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } هذا حين ينكر الكفار كفرهم وتكذيبهم الرسل بقولهم : ما كنا مشركين ، فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن حفصويه السرخسي ، سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة ، أنبأنا أبو يزيد حاتم بن محبوب ، أنبأنا عبد الجبار بن العلاء ، أنبأنا سفيان ، عن سهيل عن أبي صالح ، عن أبيه عن أبي هريرة قال : " سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تمارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحاب ؟ قالوا : لا ، قال :فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة ؟ قالوا : لا ، قال : فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم كما لا تضارون في رؤية أحدهما ، قال : فيلقى العبد فيقول أي يقول الله ألم أكرمك ، ألم أسودك ، ألم أزوجك ، وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك تترأس وتتربع ؟ قال : بلى . فيقول : أفظنت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا ، فيقول : قد أنساك كما نسيتني ، ثم يلقى الثاني فيقول له : مثل ذلك ، فيقول : يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع ، فيقال له : ههنا إذا ، قال : ثم يقال له : الآن نبعث شاهدناعليك ، ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي ، فيختم على فيه ، يقال لفخذه : انطقي قال : فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان بعمله وذلك ليعذر من نفسه ، وذلك المنافق ، وذلك الذي سخط الله "
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنبأنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز ، أنبأنا محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن بهز بن حكيم بن معاوية ، عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم تدعون فيفدم على أفواهكم بالفدام فأول ما يسأل عن أحدكم فخذه وكفه " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنبأنا مسلم بن الحجاج ، أنبأنا أبو بكر بن أبي النضر ، حدثني هاشم بن القاسم ، أنبأنا عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان الثوري ، عن عبيد المكتب ، عن فضيل ، عن الشعبي ، عن أنس بن مالك قال : " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال : هل تدرون مم أضحك ؟ قال : قلنا الله ورسوله أعلم ، قال : من مخاطبة العبد ربه ، يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى ، قال : فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني ، قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً ، قال : فيختم على فيه ، فيقال لأركانه : انطقي ، قال : فتنطق بأعماله ، قال : ثم يخلى بينه وبين الكلام ، بعداً لكن ، وسحقاً فعنكن كنت أناضل " .
قال الله تعالى في بيان وصفهم الفظيع في دار الشقاء : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ } بأن نجعلهم خرسا فلا يتكلمون ، فلا يقدرون على إنكار ما عملوه من الكفر والتكذيب . { وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي : تشهد عليهم أعضاؤهم بما عملوه ، وينطقها الذي أنطق كل شيء .
ولا يقف المشهد عند هذا الموقف المؤذي ويطويه . بل يستطرد العرض فإذا مشهد جديد عجيب :
( اليوم نختم على أفواههم ، وتكلمنا أيديهم ، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) . .
وهكذا يخذل بعضهم بعضاً ، وتشهد عليهم جوارحهم ، وتتفكك شخصيتهم مزقاً وآحاداً يكذب بعضها بعضاً . وتعود كل جارحة إلى ربها مفردة ، ويثوب كل عضو إلى بارئه مستسلماً .
ثم أخبر تعالى محمداً إخباراً تشاركه فيه أمته في قوله { اليوم نختم على أفواههم } أي في ذلك اليوم يكون ذلك ، وروي في هذا المعنى أن الله تعالى يجعل الكفرة يخاصمون فإذا لم يأتوا بشيء تقوم به الحجة رجعوا إلى الإنكار فناكروا الملائكة في الأعمال فعند ذلك يختم الله تعالى على أفواههم فلا ينطقون بحرف ، ويأمر تعالى جوارحهم بالشهادة فتشهد{[9806]} ، وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن أول ما يتكلم من الكافر فخذه اليسرى »{[9807]} ، وقال أبو سعيد اليمني : ثم سائر جوارحه ، وروي أن بعض الكفرة يقول يومئذ لجوارحه : تباً لك وسحقاً فعنك كنت أماحل ونحو هذا من المعنى ، وقد اختلفت فيه ألفاظ الرواة ، وروى عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده أنه قرأ «ولتكلمنا أيديهم ولتشهد أرجلهم » بزيادة لام كي والنصب ، وهي مخالفة لخط المصحف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.