فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

{ اليوم نَخْتِمُ على أفواههم } اليوم ظرف لما بعده ، وقرئ " يختم " على البناء للمفعول ، والنائب الجار والمجرور بعده . قال المفسرون : إنهم ينكرون الشرك ، وتكذيب الرسل كما في قولهم : { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ، فيختم الله على أفواههم ختماً لا يقدرون معه على الكلام ، وفي هذا التفات من الخطاب إلى الغيبة للإيذان بأن أفعالهم القبيحة مستدعية للإعراض عن خطابهم ، ثم قال : { وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي : تكلمت أيديهم بما كانوا يفعلونه ، وشهدت أرجلهم عليهم بما كانوا يعملون . قرأ الجمهور { تكلمنا } و{ تشهد } ، وقرأ طلحة بن مصرف " ولتكلمنا " و " لتشهد " بلام كي . وقيل : سبب الختم على أفواههم ليعرفهم أهل الموقف . وقيل : ختم على أفواههم لأجل أن يكون الإقرار من جوارحهم ؛ لأن شهادة غير الناطق أبلغ في الحجة من شهادة الناطق لخروجه مخرج الإعجاز . وقيل : ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت أعواناً لهم في معاصي الله صارت شهوداً عليهم ، وجعل ما تنطق به الأيدي كلاماً وإقراراً ؛ لأنها كانت المباشرة لغالب المعاصي ، وجعل نطق الأرجل شهادة ؛ لأنها حاضرة عند كل معصية ، وكلام الفاعل إقرار ، وكلام الحاضر شهادة ، وهذا اعتبار بالغالب ، وإلا فالأرجل قد تكون مباشرة للمعصية كما تكون الأيدي مباشرة لها .

/خ70