محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي عندما يجحدون ما اجترموه في الدنيا ، ويحلفون ما فعلوه ، فيختم الله على أفواههم ، ويستنطق جوارحهم . قال الرازي : وفي الختم على الأفواه وجوه . أقواها أن الله يسكت ألسنتهم فلا ينطقون بها ، وينطق جوارحهم فتشهد عليهم ، وإنه في قدرة الله يسير . أما الإسكات فلا خفاء فيه . وأما الإنطاق فلأن اللسان عضو متحرك بحركة مخصوصة . فكما جاز تحركه بها ، جاز تحرك غيره بمثلها . والله قادر على الممكنات . والوجه الآخر ، أنهم لا يتكلمون بشيء ، لانقطاع أعذارهم وانتهاك أستارهم . فيقفون ناكسي الرؤوس وقوف القنوط اليئوس ، لا يجد عذرا فيعتذر ، ولا مجال توبة فيستغفر . وتكلم الأيدي ظهور الأمور بحيث لا يسع معه الإنكار ، حتى تنطق به الأيدي والأبصار . كما يقول القائل ( الحيطان تبكي على صاحب الدار ) إشارة إلى ظهور الحزن . والأول الصحيح . انتهى . أي لإمكانه وعدم استحالته . فلا تتعذر الحقيقة . ويؤيده آية {[6339]} { وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا ، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } .

/ ومن لطائف بعض أدباء العصر ما نظمه في الفونغراف ، مستشهدا به في ذلك ، فقال :

ينطق الفونوغراف لنا دليل *** على نطق الجوارح والجماد

وفيه لكل ذي نظر مثال *** على بدء الخليقة والمعاد

يدير شؤونه فرد بصور *** به الأصوات تجري كالمداد

فيثبت رسمها قلم بلوح *** على وفق المشيئة والمراد

وبعد فراغها تمضي كبرق *** ولا أثر لها في الكون بادي

تظن بأنها ذهبت جفاء *** كما ذهبت بريح قوم عاد

وأحلى رنّها فيه لتبقى *** كأرواح تجرد عن مواد

متى شاء المدير لها معادا *** ورام ظهورها في كل ناد

يدير الصور بالآلات قسرا *** فينشر ميتها بعد الرقاد

وهذي آلة من صنع عبد *** فكيف بصنع خلاق العباد ؟

تبارك من يعيد الخلق طرّا *** بنفخة صوره يوم التناد


[6339]:[41 / فصلت / 21].