قوله : { اليوم نَخْتِمُ } اليوم ظرف لما بعده . وقرئ يُخْتِمُ{[46534]} مبنياً للمفعول . والجار بعده قائم مَقَام فاعله . وقرئ : «وَتتكَلَّم »{[46535]} بتاءين من فوق . وقرئ ولتَتَكَلَّمْ ولتشهدْ بلام الأمر . وقرأ{[46536]} طلحة ولِتُكَلِّمَنَا ولتَشْهَدَ بلام كي ناصبة للفعل ومتعلقها محذوف أي للتكلم وللشهادة خَتَمْنَا{[46537]} . و «بِمَا كَانُوا » أي بالذي كانوا أو بكونهم كاسبين{[46538]} .
في الترتيب{[46539]} وجهان :
الأول : أنهم حين يسمعون قوله تعالى : { بِمَا كُنْتُم تَكْفُرُونَ } يريدون ينكرون كفرهم كما قال عنهم : «مَا أَشْرَكْنَا » «وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ » فيختم الله على أفواههم فلا يقدرون على الإنكار ويُنْطِقُ الله جوارحهم غير لسانهم فيعترفون بذنوبهم .
الثاني : لما أن قال الله تعالى لهم : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } لم يكن لهم جواب فسكتوا وخرسوا وتكلمت أعضاؤهم غير اللسان . وفي الختم على الأفواه وجوه أقواها : أن الله تعالى يسكت ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهدون عليهم وأنه في قدرة الله يسير ( و ){[46540]} أما الإسكانُ فلا خفاء فيه وأما الإنطاق فلأن اللسان عضو متحرك بحركة مخصوصة كما جاز تحرك غيره بمثلها والله قادر على كل الممكنات . والوجه الآخر : أنهم لا يتكلمون بشيء لانقطاع أعذارهم وانتهاك أستارهم فيقفون ناكسي{[46541]} الرُّؤُوس لا يجدون عُذْراً فيَعْتَذِرُونَ ولا مجال{[46542]} توبة فيستغفرون وتكلم الأيدي هو ظهور الأمور بحيث لا يسمع معه الإنكار كقول القائل : الحيطان تبكي على صاحب الدار إشارة إلى ظهور الحزن والصحيح{[46543]} الأول لما ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال : فيختم على فيه ، فيقال لأركانه انطقي قال : فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكنَّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل{[46544]} وقال عليه ( الصلاة و ) السلام : «أول ما يسأل من أحدكم فخذه ولفه »{[46545]} .
فإن قيل : ما الحكمة في إسناده{[46546]} الختم إلى نفسه وقال «نختم » وأسند الكلام والشهادة إلى الأرجل والأيدي ؟
فالجواب : أنه لو قال : نختم على أفواههم وتنطق أيديهم لاحتمل أن يكون ذلك جبراً منه وقهراً والإقرار والإجبار غير مقبول فقال : تكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم أي باختيارها يقدرها الله تعالى على الكلام ليكون أدل على صدور الذنب منهم .
فإن قيل : ما الحكمة في جعل الكلام للأيدي وجعل الشهادة للأرجل ؟
فالجواب : لأن الأفعال تسند إلى الأيدي قال تعالى : { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } [ يس : 35 ] أي ما عملوه وقال { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة } [ البقرة : 195 ] أي لا تلقوا بأنفسكم ، فإذن الأيدي كالعاملة والشاهد على العامل ينبغي أن يكون غيره فجعل{[46547]} الأرجل والجلود من الشهود لبعد إضافة الأفعال إليهم .
فإن قيل : إن يوم القيامة من تقبل شهادته من المقربين والصديقين كلهم أعداء للمجرمين وشهادة العدو غير مقبولة وإن كان عدلاً وغير الصدِّيقين من الكفار والفساق لا تقبل شهادتهم والأيدي والأرجل صدرت الذنوب ( منها ){[46548]} فهي فاسقة فينبغي أن لا تقبل شهادتها .
فالجواب : أن الأيْدي والأرجلَ ليسوا من أهل التكليف ولا ينسب إليها عدالة ولا فسقٌ{[46549]} ، إنما المنسوب من ذلك إلى العبد المكلف لا إلى أعضائه ، ولا يقال : إن العين تزني وإن الفَرْج يزني . وأيضاً فإنا نقول : في رد شهادتها ( قبول{[46550]} شهادتها ) لأنها إن كَذَبَتْ في مثل ذلك اليوم مع ظهور الأمور لا بدّ أن يكون مذنباً في الدينا وإن صَدَقَتْ في مثل ذلك اليوم فقد صدر منها الذنب في الدنيا وهذا كمن قال لِفَاسِق : «إن كذبت في نهار هذا اليوم فعَبْدي حُرٌّ » فقال الفاسق : كَذَبْتُ في نهار هذا اليوم عُتِقَ العَبْدُ{[46551]} ؛ لأنه إن صدق في قوله كذبت في نهار ذلك اليوم فوجد االشرط{[46552]} أيضاً بخلاف ما لو قال في اليوم الثاني كذبت في نهار اليوم الذي علقت عتْق عبدك على كذا فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.