إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

وقوله تعالى { اليوم نَخْتِمُ على أفواههم } أي ختماً يمنعُها عن الكلامِ . التفاتٌ إلى الغَيبةِ للإيذانِ بأنَّ ذكر أحوالِهم القبيحةِ استدعى أنْ يُعرض عنهم ويَحكي أحوالَهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الإيماءِ إلى أنَّ ذلك من مقتضيات الختم لأنَّ الخطاب لتلقِّي الجواب ، وقد انقطع بالكُلَّيةِ ، وقرئ تَختم . { وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يُروى أنَّهم يجحدون ويُخاصمون فيشهد عليهم جيرانُهم وأهاليهم وعشائرُهم فيحلفون ما كانُوا مشركين فحينئذٍ يُختم على أفواهِهم وتكلم أيديهم وأرجلُهم . وفي الحديث : ( يقول العبدُ يوم القيامة إنِّي لا أجيزُ عليَّ شاهداً إلا من نفسي فيُختم على فيهِ ويقال لأركانِه انطقي فتنطقُ بأعماله ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام فيقول بُعداً لكنَّ وسُحقاً فعنكنَّ كنتُ أناضلُ{[682]} ) وقيل : تكليمُ الأركانِ وشهادتُها على أفعالها وظهورُ آثارِ المعاصي عليها . وقرئ وتتكلَّمُ أيديهم وقرئ ولتكلَّمَنا أيديهم وتشهد بلام كَيْ والنَّصبِ على معنى ولذلك نختِم على أفواهِهم وقرئ ولتكلِّمْنا أيديهم لتشهدْ بلام الأمرِ والجزمِ


[682]:أخرجه مسلم في كتاب الزهد، حديث رقم (17).