100- أغاب عن الذين يخلفون من قبلهم من الأمم سنة الله فيمن قبلهم ، وأن شأننا فيهم كشأننا فيمن سبقوهم ؟ وهو أنهم خاضعون لمشيئتنا ، لو نشاء أن نُعَذبهم بسبب ذنوبهم لأصبناهم كما أصبنا أمثالهم ، ونحن نختم على قلوبهم لفرط فسادها حتى وصلت إلى حالة لا تقبل معها شيئاً من الهدى ، فهم بهذا الطبع والختْم لا يسمعون الحكم والنصائح سماع تفقه واتعاظ .
قوله تعالى : { أولم يهد } ، قرأ قتادة ويعقوب : ( نهد ) بالنون على التعظيم ، والباقون بالياء على التفريد ، يعني أو لم يتبين .
قوله تعالى : { للذين يرثون الأرض من بعد } ، هلاك .
قوله تعالى : { أهلها } ، الذين كانوا فيها .
قوله تعالى : { أن لو نشاء أصبناهم } ، أي : أخذناهم وعاقبناهم .
قوله تعالى : { بذنوبهم } كما عاقبنا من قبلهم .
قوله تعالى : { ونطبع } ، نختم .
قوله تعالى : { على قلوبهم فهم لا يسمعون } ، الإيمان ولا يقبلون الموعظة ، قال الزجاج : قوله { ونطبع } منقطع عما قبله ، لأن قوله { أصبناهم } ماض ونطبع مستقبل .
{ 100 - 102 ْ } { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ْ }
يقول تعالى منبها للأمم الغابرين بعد هلاك الأمم الغابرين{[321]} { أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ْ } أي : أو لم يتبين ويتضح للأمم الذين ورثوا الأرض ، بعد إهلاك من قبلهم بذنوبهم ، ثم عملوا كأعمال أولئك المهلكين ؟ .
أو لم يهتدوا أن اللّه ، لو شاء لأصابهم بذنوبهم ، فإن هذه سنته في الأولين والآخرين .
وقوله : { وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ْ } أي : إذا نبههم اللّه فلم ينتبهوا ، وذكرهم فلم يتذكروا ، وهداهم بالآيات والعبر فلم يهتدوا ، فإن اللّه تعالى يعاقبهم ويطبع على قلوبهم ، فيعلوها الران والدنس ، حتى يختم عليها ، فلا يدخلها حق ، ولا يصل إليها خير ، ولا يسمعون ما ينفعهم ، وإنما يسمعون ما به تقوم الحجة عليهم .
( أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ، ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ) . .
إن سنة الله لا تتخلف ؛ ومشيئة الله لا تتوقف . فما الذي يؤمنهم أن يأخذهم الله بذنوبهم كما أخذ من قبلهم ؟
وأن يطبع على قلوبهم فلا يهتدوا بعد ذلك ، بل لا يستمعوا إلى دلائل الهدى ، ثم ينالهم جزاء الضلال في الدنيا والآخرة . . ألا إن مصارع الخالين قبلهم ، ووراثتهم لهم ، وسنة الله الجارية . . كل أولئك كان نذيراً لهم أن يتقوا ويحذروا ؛ وأن يطرحوا عنهم الأمن الكاذب ، والاستهتار السادر ، والغفلة المردية ، وأن يعتبروا بما كان في الذين خلوا من قبلهم . عسى ألا يكون فيهم . لو كانوا يسمعون !
وما يريد الله للناس بهذا التحذير في القرآن أن يعيشوا مفزعين قلقين ؛ يرتجفون من الهلاك والدمار أن يأخذهم في لحظة من ليل أو نهار . فالفزع الدائم من المجهول ، والقلق الدائم من المستقبل ، وتوقع الدمار في كل لحظة . . قد تشل طاقة البشر وتشتتها ؛ وقد تنتهي بهم إلى اليأس من العمل والنتاج وتنمية الحياة وعمارة الأرض . . إنما يريد الله منهم اليقظة والحساسية والتقوى ، ومراقبة النفس ، والعظة بتجارب البشر ، ورؤية محركات التاريخ الإنساني ، وإدامة الاتصال بالله ، وعدم الاغترار بطراءة العيش ورخاء الحياة .
والله يعد الناس الأمن والطمأنينة والرضوان والفلاح في الدنيا والآخرة ، إذا هم أرهفوا حساسيتهم به ، وإذا هم أخلصوا العبودية له ؛ وإذا هم اتقوه فاتقوا كل ما يلوث الحياة . فهو يدعوهم إلى الأمن في جوار الله لا في جوار النعيم المادي المغري . وإلى الثقة بقوة الله لا بقوتهم المادية الزائلة . وإلى الركون إلى ما عند الله لا إلى ما يملكون من عرض الحياة .
ولقد سلف من المؤمنين بالله المتقين لله سلف ما كان يأمن مكر الله . وما كان يركن إلى سواه . وكان بهذا وذاك عامر القلب بالإيمان ، مطمئناً بذكر الله ، قوياً على الشيطان وعلى هواه ، مصلحاً في الأرض بهدى الله ، لا يخشى الناس والله أحق أن يخشاه .
وهكذا ينبغي أن نفهم ذلك التخويف الدائم من بأس الله الذي لا يدفع ، ومن مكر الله الذي لا يدرك . لندرك أنه لا يدعو إلى القلق إنما يدعو إلى اليقظة ، ولا يؤدي إلى الفزع إنما يؤدي إلى الحساسية ، ولا يعطل الحياة إنما يحرسها من الاستهتار والطغيان .
والمنهج القرآني - مع ذلك - إنما يعالج أطوار النفوس والقلوب المتقلبة ، وأطوار الأمم والجماعات المتنوعة ، ويطب لكل منها بالطب المناسب في الوقت الملائم . فيعطيها جرعة من الأمن والثقة والطمأنينة إلى جوار الله ، حين تخشى قوى الأرض وملابسات الحياة . ويعطيها جرعة من الخوف والحذر والترقب لبأس الله ، حين تركن إلى قوى الأرض ومغريات الحياة . وربك أعلم بمن خلق ، وهو اللطيف الخبير . .
{ أوَلم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها } أي يخلفون من خلا قبلهم ويرثون ديارهم ، وإنما عدي يهد باللام لأنه بمعنى يبين . { أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم } أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم ، وهو فاعل يهد ومن قرأه بالنون جعله مفعولا . { ونطبع على قلوبهم } عطف على ما دل عليه ، أو لم يهد أي يغفلون عن الهداية أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع ، و لا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لولا فضائه إلى نفي الطبع عنهم { فهم لا يسمعون } سماع تفهم واعتبار .
وقوله { أو لم يهد للذين يرثون الأرض } الآية ، هذه ألف تقرير دخلت على واو العطف ، و «يهدي » معناه يبين والهدى الصباح وأنشدوا على ذلك :
حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة*** يسبحن في الآل غلفاً أو يصلينا
ويحتمل أن يكون المبين الله ويحتمل أن يكون المبين قوله { أن لو نشاء } أي علمهم بذلك وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد : و «يهدي » معناه يتبين ، وهذه أيضاً آية وعيد ، أي ألم يظهر لوارث الأرض بعد أولئك الذين تقدم ذكرهم وما حل بهم أنا نقدر لو شئنا أن نصيبهم إصابة إهلاك بسبب معاصيهم كما فعل بمن تقدم وكنا نطبع : أي نختم ، ونختم عليها بالشقاوة ، وفي هذه العبارة ذكر القوم الذين قصد ذكرهم وتعديد النعمة عليهم فيما «ورثوا » والوعظ بحال من سلف من المهلكين ، ونطبع عطف على المعاصي إذ المراد به الاستقبال ، ويحتمل أن يكون ونطبع منقطعاً إخباراً عن وقوع الطبع لا أنه متوعد به ويبقى التوعد بالإهلاك الذي هو بعذاب كالصيحة والغرق ونحوه ، وقرأ أبو عمرو : { ونطبع على } بإدغام العين في العين وإشمام الضم ، ذكره أبو حاتم .
عطفت على جملة : { أفأمن أهل القرى } [ الأعراف : 97 ] لاشتراك مضمون الجملتين في الاستفهام التعجيبي ، فانتقُل عن التعجيب من حال الذين مضوا إلى التعجيب من حال الأمة الحاضرة ، وهي الأمة العربية الذين ورثوا ديار الأمم الماضية فسكنوها : مثل أهل نَجْران ، وأهل اليمن ، ومن سكنوا ديار ثمود مثل بَليِّ ، وكعب ، والضجاغم ، وبهراء ، ومن سكنوا ديار مَدْين مثل جُهَيْنة ، وجَرْم ، وكذلك من صاروا قبائل عظيمة فنالوا السيادة على القبائل : مثل قُريش ، وطَي ، وتَميم ، وهُذَيْل . فالموصول بمنزلة لام التعريف العهدي ، وقد يقصد بالذين يرثون الأرض كل أمة خلفت أمة قبلها ، فيشمل عاداً وثموداً ، فقد قال لكلَ نبيّهم { واذكروا إذ جعلكم خلفاء } [ الأعراف : 74 ] الخ ولكن المشركين من العرب يومئذٍ مقصودون في هذا ابتداء . فالموصول بمنزلة لام الجنس .
والاستفهام في قوله : { أو لم يهد } مستعمل في التعجيب . مثل الذي في قوله : { أفأمن أهلُ القرى } [ الأعراف : 97 ] تعجيباً من شدة ضلالتهم إذ عدموا الاهتداء والاتعاظ بحال من قبلهم من الأمم ، ونسوا أن الله قادر على استئصالهم إذا شاءه .
والتعريف في الأرض تعريف الجنس ، أي يرثون أي أرض كانت منازل لقوم قبلهم ، وهذا إطلاق شائع في كلام العرب ، يقولون هذه أرض طَيء ، وفي حديث الجنازة « من أهل الأرض » أي من السكان القاطنين بأرضهم لا من المسلمين الفاتحين فالأرض بهذا المعنى اسم جنس صادق على شائع متعدد ، فتعريفه تعريف الجنس ، وبهذا الإطلاق جُمعت على أرضين ، فالمعنى : أو لم يهد للذين يرثون أرضاً من بعد أهلها .
والإرث : مصير مال الميت إلى من هو أولى به ، ويطلق مجازاً على مماثلة الحي مَيتاً في صفات كانت له ، من عزّ أوسيادة ، كما فسر به قوله تعالى حكاية عن زكرياء { فهب لي من لدنك ولياً يرثني } [ مريم : 5 ، 6 ] أي يخلفني في النبوءة ، وقد يطلق على القَدْر المشترك بين المعنيين ، وهو مطلقُ خلافةِ المُنْقَرَضِ . وهو هنا محتمل للإطلاقين ، لأنه إن أريد بالكلام أهل مكة فالإرث بمعناه المجازي ، وإن أريد أهل مكة والقبائل التي سكنت بلاد الأمم الماضية فهو مستعمل في القدر المشترك ، وهو كقوله تعالى : { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } [ الأنبياء : 105 ] وأيّاً ما كان فقيْدُ { من بعد أهلها } تأكيدٌ لمعنى { يرثون } ، يراد منه تذكير السامعين بما كان فيه أهل الأرض الموروثة من بحبوحة العيش ، ثم ما صاروا إليه من الهلاك الشامل العاجل ، تصويراً للموعظة بأعظم صورة فهو كقوله تعالى : { ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } [ الأعراف : 129 ] .
ومعنى { لم يهد } لم يرشد ويُبَيْن لهم ، فالهداية أصلها تبيين الطريق للسائر ، واشتهر استعمالهم في مطلق الإرشاد : مجازاً أو استعارة كقوله تعالى : { اهْدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] . وتقدم أن فعلها يتعدى إلى مفعولين ، وأنه يتعدى إلى الأول منهما بنفسه وإلى الثاني تارة بنفسه وأخرى بالحرف : اللام أو ( إلى ) ، فلذلك كانت تعديته إلى المفعول الأول باللام في هذه الآية إمّا لتضمينه معنى يُبين ، وإما لتقوية تعلق معنى الفعل بالمفعول كما في قولهم : شكرتُ له ، وقوله تعالى : { فَهَبْ لي من لدنك ولياً } [ مريم : 5 ] ، ومثل قوله تعالى : { أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم } في سورة طه ( 128 ) .
و { أنْ } مخففة من ( أنّ ) واسمها ضمير الشأن ، وجملة { لو نشاء } خبرها . ولما كانت ( أن ) المفتوحة الهمزة من الحروف التي تفيد المصدرية على التحقيق لأنها مركّبة من ( إنّ ) المكسورة المشددة ، ومن ( أنّ ) المفتوحة المخففة المصدرية لذلك عُدّت في الموصولات الحرفية وكان ما بعدها مؤولاً بمصدر منسبك من لفظ خبرها إن كان مفرداً مشتقاً ، أو من الكَون إن كان خبرها جملة ، فموقع { أن لو نشاء أصبناهم } موقعُ فاعل { يهد } ، والمعنى : أو لم يبيّنْ للذين يخلْفون في الأرض بعد أهلها كونُ الشأن المهم وهو لو نشاءُ أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم .
وهؤلاء هم الذين أشركوا بالله وكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم .
والإصابة : نوال الشيء المطلوب بتمكّن فيه . فالمعنى : أن نأخذهم أخذاً لا يفلتون منه . والباء في { بذنوبهم } للسببية ، وليست لتعدية فعل { أصبناهم } .
وجملة : { أنْ لو نشاء أصبناهم بذنوبهم } واقعة موقع مفرد ، هو فاعل { يَهْدِ } ، ف ( إنْ ) مخففة من الثقيلة وهي من حروف التأكيد والمصدرية واسمها في حالةِ التخفيف ، ضمير شأن مقدر ، وجملة شرط ( لو ) وجوابه خبر ( أنّ ) .
و ( لو ) حرف شرط يفيد تعليق امتناع حصول جوابه لأجل امتناع حصول شرطه : في الماضي ، أو في المستقبل ، وإذ قد كان فعل الشرط هنا مضارعاً كان في معنى الماضي ، إذ لا يجوز اختلاف زمني فعلي الشرط والجواب ، وإنما يخالف بينهما في الصورة لمجرد التفنن كراهية تكرير الصورة الواحدة ، فتقدير قوله : { لَوْ نشاء أصبناهُم } انْتفى أخذُنَا إياهم في الماضي بذنوب تكذيبهم ، لأجل انتفاء مشيئتنا ذلك لحكمة إمهالهم لا لكونهم أعزّ من الأمم البائدة أو أفضل حالاً منهم ، كما قال تعالى : { فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم } [ غافر : 21 ] الآية ، وفي هذا تهديد بأن الله قد يصيبهم بذنوبهم في المستقبل ، إذ لا يصده عن ذلك غالبٌ ، والمعنى : أغرهم تأخّر العذاب مع تكذيبهم فحسبوا أنفسهم في منعة منه ، ولم يهتدوا إلى أن انتفاء نزوله بهم معلق على انتفاء مشيئتنا وقوعَه لحكمة ، فما بينهم وبين العذاب إلاّ أن نشاء أخذهم ، والمصدر الذي تفيده ( أن ) المخففة ، إذا كان اسمها ضمير شأن ، يقدر ثُبوتاً متصيّداً مما في ( أنْ ) وخبرها من النسبة المؤكدة ، وهو فاعل { يَهِد } فالتقدير في الآية : { أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها } ثبوتُ هذا الخبر المُهم وهو { لو نشاء أصبناهم بذنوبهم } .
والمعنى : اعْجَبوا كيف لم يهتدوا إلى أن تأخير العذاب عنهم هو بمحض مشيئتنا وأنه يحق عليهم عندما نشاؤه .
وجملة : { ونطبع على قلوبهم } ليست معطوفة على جملة : { أصبناهم } حتى تكون في حكم جواب ( لو ) لأن هذا يفسد المعنى ، فإن هؤلاء الذين ورثوا الأرض من بعد أهلها قد طُبع على قلوبهم فلذلك لم تُجْدِ فيهم دعوة محمد صلى الله عليه وسلم مُنذ بُعث إلى زمن نزول هذه السورة ، فلو كان جواباً ل ( لو ) لصار الطبع على قلوبهم ممتنعاً وهذا فاسد ، فتعين : إما أن تكون جملة { ونطبع } معطوفة على جملة الاستفهام برُمَتها فلها حكمها من العطف على أخبار الأمم الماضية والحاضرة .
والتقدير : وطَبَعنا على قلوبهم ، ولكنه صيغ بصيغة المضارع للدلالة على استمرار هذا الطبع وازدياده آنا فآنا ، وإمّا أن تجعل ( الواو ) للاستئناف والجملة مستأنفة ، أي : ونحن نطبع على قلوبهم في المستقبل كما طبعنا عليها في الماضي ، ويُعرف الطبع عليها في الماضي بأخبار أخرى كقوله تعالى : { إن الذين كفروا سواء عليهم } [ البقرة : 6 ] الآية ، فتكون الجملة تذييلاً لتنهية القصة ، ولكن موقع الواو في أول الجملة يرجح الوجه الأول ، وكأن صاحب « المفتاح » يأبى اعتبار الاستئناف من معاني الواو .
وجملة : { فهم لا يسمعون } معطوفة بالفاء على { نطبع } متفرعاً عليه ، والمراد بالسماع فهم مغزى المسموعات لا استكاك الآذان ، بقرينة قوله : { ونطبع على قلوبهم } . وتقدم معنى الطبع عند قوله تعالى : { بَلْ طبع الله عليها بكفرهم } في سورة النساء ( 155 ) .