97- وأن المسلم عليه أن يهاجر إلى الدولة الإسلامية ولا يعيش في ذل ، فإن الملائكة تسألهم : فيم كنتم حتى ارتضيتم حياة الذل والهوان ؟ فيجيبون : كنا مستضعفين في الأرض يذلنا غيرنا فتقول الملائكة : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها بدل الذل الذي تقيمون فيه ؟ وأولئك الذين يرضون بالذل مع قدرتهم على الانتقال ، مأواهم عذاب جهنم ، وأنها أسوأ مصير ، فالمسلم لا يصح أن يعيش في ذل ، بل يعيش عزيزاً كريماً .
قوله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } الآية نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ، ولم يهاجروا ، منهم : قيس بن الفاكه بن المغيرة ، وقيس بن الوليد بن المغيرة وأشباههما ، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم ، فقتلوا مع الكفار ، فقال الله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة } ، أراد به ملك الموت وأعوانه ، أو أراد ملك الموت وحده ، كما قال تعالى : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } [ السجدة :11 ] ، والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع { ظالمي أنفسهم } بالشرك ، وهو نصب على الحال ، أي : في حال ظلمهم .
قيل : أي بالمقام في دار الشرك ، لأن الله تعالى لم يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالهجرة ، ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا هجرة بعد الفتح ) وهؤلاء قتلوا يوم بدر ، وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، وقالوا لهم : { فيم كنتم } ؟ فذلك قوله تعالى : { قالوا فيم كنتم } أي : في ماذا كنتم ؟ أو في أي الفريقين ؟ أكنتم في المسلمين أم في المشركين ؟ سؤال توبيخ وتعيير ، فاعتذروا بالضعف عن مقاومة أهل الشرك .
قوله تعالى : { قالوا كنا مستضعفين } ، عاجزين .
قوله تعالى : { في الأرض } ، يعني : أرض مكة .
قوله تعالى : { قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها } ، يعني : إلى المدينة وتخرجوا من مكة ، من بين أهل الشرك ؟ فأكذبهم الله تعالى وأعلمنا بكذبهم ، وقال : { فأولئك مأواهم } ، منزلهم .
قوله تعالى : { جهنم وساءت مصيراً } ، أي : بئس المصير إلى جهنم . ثم استثنى أهل العذر منهم فقال : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة }
{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا }
هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات ، فإن الملائكة الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم ، ويقولون لهم : { فِيمَ كُنْتُمْ } أي : على أي حال كنتم ؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين ؟ بل كثرتم سوادهم ، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين ، وفاتكم الخير الكثير ، والجهاد مع رسوله ، والكون مع المسلمين ، ومعاونتهم على أعدائهم .
{ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْض } أي : ضعفاء مقهورين مظلومين ، ليس لنا قدرة على الهجرة . وهم غير صادقين في ذلك لأن الله وبخهم وتوعدهم ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، واستثنى المستضعفين حقيقة .
ولهذا قالت لهم الملائكة : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } وهذا استفهام تقرير ، أي : قد تقرر عند كل أحد أن أرض الله واسعة ، فحيثما كان العبد في محل لا يتمكن فيه من إظهار دينه ، فإن له متسعًا وفسحة من الأرض يتمكن فيها من عبادة الله ، كما قال تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } قال الله عن هؤلاء الذين لا عذر لهم : { فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } وهذا كما تقدم ، فيه ذكر بيان السبب الموجِب ، فقد يترتب عليه مقتضاه ، مع اجتماع شروطه وانتفاء موانعه ، وقد يمنع من ذلك مانع .
وفي الآية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات ، وتركها من المحرمات ، بل من الكبائر ، وفي الآية دليل على أن كل مَن توفي فقد استكمل واستوفى ما قدر له من الرزق والأجل والعمل ، وذلك مأخوذ من لفظ " التوفي " فإنه يدل على ذلك ، لأنه لو بقي عليه شيء من ذلك لم يكن متوفيًا .
وفيه الإيمان بالملائكة ومدحهم ، لأن الله ساق ذلك الخطاب لهم على وجه التقرير والاستحسان منهم ، وموافقته لمحله .
بعد ذلك يتحدث عن فريق من القاعدين ؛ أولئك الذين يظلون قاعدين في دار الكفر لا يهاجرون ؛ تمسك بهم أموالهم ومصالحهم ، أو يمسك بهم ضعفهم عن مواجهة متاعب الهجرة وآلام الطريق - وهم قادرون لو أرادوا واعتزموا التضحية - أن يهاجروا . . حتى يحين أجلهم ؛ وتأتي الملائكة لتتوفاهم . يتحدث عنهم فيصورهم صورة زرية منكرة ؛ تستنهض كل قاعد منهم للفرار بدينه وعقيدته ، وبمصيره عند ربه ؛ من هذا الموقف الذي يرسمه لهم :
( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . . قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض . قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم ، وساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وكان الله عفوا غفورًا ) . .
لقد كان هذا النص يواجه حالة واقعة في الجزيرة العربية - في مكة وغيرها - بعد هجرة رسول الله [ ص ] وقيام الدولة المسلمة . فقد كان هناك مسلمون لم يهاجروا . حبستهم أموالهم ومصالحهم - حيث لم يكن المشركون يدعون مهاجرا يحمل معه شيئا من ماله - أو حبسهم إشفاقهم وخوفهم من مشاق الهجرة - حيث لم يكن المشركون يدعون مسلما يهاجر حتى يمنعوه ويرصدوا له في الطريق . . وجماعة حبسهم عجزهم الحقيقي ، من الشيوخ والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة للهرب ولا يجدون سبيلا للهجرة . .
وقد اشتد أذى المشركين لهؤلاء الباقين من أفراد المسلمين ؛ بعد عجزهم عن إدراك الرسول [ ص ] وصاحبه ، ومنعهما من الهجرة . وبعد قيام الدولة المسلمة . وبعد تعرض الدولة المسلمة لتجارة قريش في بدر ، وانتصار المسلمين ذلك الانتصار الحاسم . فأخذ المشركون يسومون هذه البقية المتخلفة ألوانا من العذاب والنكال ، ويفتنونهم عن دينهم في غيظ شديد .
وقد فتن بعضهم عن دينهم فعلا ؛ واضطر بعضهم إلى إظهار الكفر تقية ، ومشاركة المشركين عبادتهم . . وكانت هذه التقية جائزة لهم يوم أن لم تكن لهم دولة يهاجرون إليها - متى استطاعوا - فأما بعد قيام الدولة ، ووجود دار الإسلام فإن الخضوع للفتنة ، أو الالتجاء للتقية ، وفي الوسع الهجرة والجهر بالإسلام ، والحياة في دار الإسلام . . أمر غير مقبول .
وهكذا نزلت هذه النصوص ؛ تسمي هؤلاء القاعدين محافظة على أموالهم ومصالحهم ، أو إشفاقا من مشاق الهجرة ومتاعب الطريق . . حتى يحين أجلهم . . تسميهم : ( ظالمي أنفسهم ) . . بما أنهم حرموها الحياة في دار الإسلام ، تلك الحياة الرفيعة النظيفة الكريمة الحرة الطليقة . وألزموها الحياة في دار الكفر تلك الحياة الذليلة الخانسة الضعيفة المضطهدة ، وتوعدهم ( جهنم وساءت مصيرًا ) . . مما يدل على أنها تعني الذين فتنواعن دينهم بالفعل هناك !
ولكن التعبير القرآني - على أسلوب القرآن - يعبر في صورة ، ويصور في مشهد حي نابض بالحركة والحوار : ( إن الذين توفاهم الملائكة . . ظالمي أنفسهم . . قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض ! قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة ، فتهاجروا فيها ؟ ! ) . .
إن القرآن يعالج نفوسا بشرية ؛ ويهدف الى استجاشة عناصر الخير والمروءة والعزة فيها ؛ وإلى مطاردة عوامل الضعف والشح والحرص والثقلة . . لذلك يرسم هذا المشهد . . إنه يصور حقيقة . ولكنه يستخدم هذه الحقيقة في موضعها أحسن استخدام ، في علاج النفس البشرية . .
ومشهد الاحتضار بذاته مشهد ترتجف له النفس البشرية ، وتتحفز لتصور ما فيه . وإظهار الملائكة في المشهد يزيد النفس ارتجافا وتحفزا وحساسية .
وهم - القاعدون - ظلموا أنفسهم . وقد حضرت الملائكة لتتوفاهم وهذا حالهم . . ظالمي أنفسهم . وهذا وحده كفيل بتحريك النفس وارتجافها . إذ يكفي أن يتصور المرء نفسه والملائكة تتوفاه وهو ظالم لنفسه ؛ وليس أمامه من فرصة أخرى لإنصاف نفسه ، فهذه هي اللحظة الأخيرة .
ولكن الملائكة لا يتوفونهم - ظالمي أنفسهم - في صمت . بل يقلبون ماضيهم ، ويستنكرون أمرهم ! ويسألونهم : فيم أضاعوا أيامهم ولياليهم ؟ وماذا كان شغلهم وهمهم في الدنيا :
فإن ما كانوا فيه ضياع في ضياع ؛ كأن لم يكن لهم شغل إلا هذا الضياع !
ويجيب هؤلاء المحتضرون ، في لحظة الاحتضار ، على هذا الاستنكار ، جوابا كله مذلة ، ويحسبونه معذرة على ما فيه من مذلة .
( قالوا : كنا مستضعفين في الأرض ) . .
كنا مستضعفين . يستضعفنا الأقوياء . كنا أذلاء في الأرض لا نملك من أمرنا شيئا .
وعلى كل ما في هذا الرد من مهانة تدعو إلى الزراية ؛ وتنفر كل نفس من أن يكون هذا موقفها في لحظة الاحتضار ، بعد أن يكون هذا موقفها طوال الحياة . . فإن الملائكة لا يتركون هؤلاء المستضعفين الظالمي أنفسهم . بل يجبهونهم بالحقيقة الواقعة ؛ ويؤنبونهم على عدم المحاولة ، والفرصة قائمة : ( قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ ! ) . .
إنه لم يكن العجز الحقيقي هو الذي يحملهم - إذن - على قبول الذل والهوان والاستضعاف ، والفتنة عن الإيمان . . إنما كان هناك شيء آخر . . حرصهم على أموالهم ومصالحهم وأنفسهم يمسكهم في دار الكفر ، وهناك دار الإسلام . ويمسكهم في الضيق وهناك أرض الله الواسعة . والهجرة إليها مستطاعة ؛ مع احتمال الآلام والتضحيات .
{ إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِيَ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلََئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً * إِلاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلََئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ } : إن الذين تقبض أرواحهم الملائكة { ظالِمِي أنْفُسِهِمْ } يعني : مكسبي أنفسهم غضب الله وسخطه . وقد بينا معنى الظلم فيما مضى قبل . { قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } يقول : قالت الملائكة لهم : فيم كنتم ، في أيّ شيء كنتم من دينكم . { قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْض } يعني : قال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم : كنا مستضعفين في الأرض ، يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوّتهم ، فيمنعونا من الإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، معذرةٌ ضعيفة وحجةٌ واهية .
{ قَالُوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها } يقول : فتخرجوا من أرضكم ودوركم ، وتفارقوا من يمنعكم بها من الإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض التي يمنعكم أهلها من سلطان أهل الشرك بالله ، فتوحدوا الله فيها وتعبدوه ، وتتبعوا نبيه ؟ يقول الله جلّ ثناؤه : { فأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ } : أي فهؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم ، الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ، مأواهم جهنم ، يقول : مصيرهم في الاَخرة جهنم ، وهي مسكنهم .
{ وَساءَتْ مَصيرا } يعني : وساءت جهنم لأهلها الذين صاروا إليها مصيرا ومسكنا ومأوى . ثم استثنى جلّ ثناؤه المستضعفين الذين استضعفهم المشركون من الرجال والنساء والولدان ، وهم العجزة عن الهجرة بالعسرة وقلة الحيلة وسوء البصر والمعرفة بالطريق من أرضهم أرض الشرك إلى أرض الإسلام من القوم الذين أخبر جلّ ثناؤه أن مأواهم جهنم أن تكون جهنم مأواهم ، للعذر الذي هم فيه ، على ما بينه تعالى ذكره . ونصب المستضعفين على الاستثناء من الهاء والميم اللتين في قوله : { فأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ } ، يقول الله جلّ ثناؤه :
{ فَأُولَئِكَ عَسَى اللّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ } يعني : هؤلاء المستضعفين ، يقول : لعلّ الله أن يعفو عنهم للعذر الذي هم فيه وهم مؤمنون ، فيتفضل عليهم بالصفح عنهم في تركهم الهجرة ، إذ لم يتركوها اختيارا ولا إيثارا منهم لدار الكفر على دار الإسلام ، ولكن للعجز الذي هم فيه عن النقلة عنها . { وكانَ اللّهُ عَفُوّا غَفُورا } يقول : ولم يزل الله عفوّا ، يعني ذا صفح بفضله عن ذنوب عباده بتركه العقوبة عليها ، غفورا ساترا عليهم ذنوبهم بعفوه لهم عنها . وذكر أن هاتين الاَيتين والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا وآمنوا بالله وبرسوله ، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر ، وعُرض بعضهم على الفتنة فافتتن ، وشهد مع المشركين حرب المسلمين ، فأبى الله قبول معذرتهم التي اعتذروا بها ، التي بينها في قوله خبرا عنهم : { قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ } .
ذكر الأخبار الواردة بصحة ما ذكرنا من نزول الاَية في الذين ذكرنا أنها نزلت فيهم :
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا أشعث ، عن عكرمة : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } قال : كان ناس من أهل مكة أسلموا ، فمن مات منهم بها هلك ، قال الله : { فأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَساءَتْ مَصيرا إلاّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّسَاء وَالوِلْدانِ } إلى قوله : { عَفُوّا غَفُورا } قال ابن عباس : فأنا منهم وأمي منهم ، قال عكرمة : وكان العباس منهم .
حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا محمد بن شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم ، فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا ، فاستغفروا لهم . فنزلت : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } . . . الاَية ، قال : فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الاَية ، وأنه لا عذر لهم . قال : فخرجوا ، فلحقهم المشركون ، فأعطوهم الفتنة ، فنزلت فيهم : { وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا باللّهِ فإذَا أُوذِيَ فِي اللّهِ } . . . إلى آخر الاَية ، فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فحزنوا وأيسوا من كلّ خير ، ثم نزلت فيهم : { ثُمّ إن رَبّكَ للّذِينَ هاجَروا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمّ جاهَدُوا وَصَبُروا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } فكتبوا إليهم بذلك : إن الله قد جعل لكم مخرجا . فخرجوا ، فأدركهم المشركون ، فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقُتل من قتل .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني حيوة أو ابن لهيعة ، الشكّ من يونس عن أبي الأسود ، أنه سمع مولى لابن عباس يقول عن ابن عباس : إن ناسا مسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيأتى السهم يُرْمَى به ، فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يضرب فيقتل ، فأنزل الله فيهم : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } ، حتى بلغ : { فَتُهاجِرُوا فِيهَا } .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرىء قال : أخبرنا حيوة ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسديّ ، قال : قُطع على أهل المدينة بعث ، فاكتتبتُ فيه ، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس ، فنهاني عن ذلك أشدّ النهي . ثم قال : أخبرني ابن عباس أن ناسا مسلمين كانوا مع المشركين¹ ثم ذكر مثل حديث يونس عن ابن وهب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } هم قوم تخلفوا بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه ، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودُبُره .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } . . . إلى قوله : { وَساءَتْ مَصيرا } قال : نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبي العاص بن منبه بن الحجاج وعليّ بن أمية بن خلف . قال : لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وغير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأن يطلبوا ما نِيلَ منهم يوم نخلة ، خرجوا معهم بشبان كارهين كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد ، فقتلوا ببدر كفارا ، ورجعوا عن الإسلام ، وهم هؤلاء الذين سميناهم . قال ابن جريج وقال مجاهد : نزلت هذه الاَية فيمن قتل يوم بدر من الضعفاء من كفار قريش . قال ابن جريج وقال عكرمة : لما نزل القرآن في هؤلاء النفر ، إلى قوله : { وَساءَتْ مَصيرا إلاّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ وَالوِلْدَانِ } قال : يعني : الشيخ الكبير ، والعجوز والجواري والصغار والغلمان .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . إلى قوله : { وَساءَتْ مَصيرا } قال : لما أسر العباس وعقيل ونوفل ، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : «افْدِ نفسكَ وابنَ أخيكَ ! » قال : يا رسول الله ألم نصلّ قبلتك ، ونشهد شهادتك ؟ قال : «يا عَبّاسُ أنّكُمْ خاصَمْتُمْ فَخُصِمْتُمْ » ، ثم تلا هذه الاَية : { ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فأولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَساءَتْ مَصيرا } فيوم نزلت هذه الاَية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر ، إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ، حيلة في المال ، والسبيل : الطريق . قال ابن عباس : كنت أنا منهم من الولدان .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت عكرمة يقول : كان ناس بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله ، فلما خرج المشركون إلى بدر أخرجوهم معهم ، فقتلوا ، فنزلت : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . إلى قوله : { أُولَئِكَ عَسَى اللّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وكانَ اللّهُ عَفُوّا غَفُورا } فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة . قال : فخرج ناس من المسلمين حتى إذا كانوا ببعض الطريق طلبهم المشركون فأدركوهم ، فمنهم من أعطى الفتنة ، فأنزل الله فيهم : { وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُوْلُ آمَنّا باللّهِ فإذَا أُوذِيَ فِي اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ } . فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين بمكة ، وأنزل الله في أولئك الذين أعطوا الفتنة : { ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَروا مِنْ بَعْد ما فُتِنُوا ثّم جاهَدُوا } . . . إلى { غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
قال ابن عيينة : أخبرني محمد بن إسحاق في قوله { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ } قال : هم خمسة فتية من قريش : عليّ بن أمية ، وأبو قيس بن الفاكه ، وزمعة بن الأسود ، وأبو العاص بن منبه ، ونسيت الخامس .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . الاَية ، حْدّثنا أن هذه الاَية أنزلت في أناس تكلموا بالإسلام من أهل مكة ، فخرجوا مع عدوّ الله أبي جهل ، فقتلوا يوم بدر ، فاعتذروا بغير عذر ، فأبى الله أن يقبل منهم . وقوله { إلاّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ وَالوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حيلَةٌ وَلا يَهْتَدُونَ سَبيلاً } أناس من أهل مكة عذرهم الله ، فاستثناهم فقال : { أولَئِكَ عَسَى الله أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وكانَ اللّهُ عَفُوّا غَفُورا } قال : وكان ابن عباس يقول : كنت أنا وأمي من الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . الاَية ، قال : أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يخرجوا معه إلى المدينة ، وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر ، فأصيبوا يومئذ فيمن أصيب ، فأنزل الله فيهم هذه الاَية .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : سألته ، يعني ابن زيد ، عن قول الله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } فقرأ حتى بلغ : { إلاّ المُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ والوِلْدَان } فقال : لما بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم وظهر ونَبَع الإيمان نَبَع النفاق منه ، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالٌ ، فقالوا : يا رسول الله ، لولا أنّا نخاف هؤلاء القوم يعذبوننا ويفعلون ويفعلون لأسلمنا ، ولكنا نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ! فكانوا يقولون ذلك له . فلما كان يوم بدر قام المشركون ، فقالوا : لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره واستبحنا ماله ! فخرج أولئك الذين كانوا يقولون ذلك القول للنبيّ صلى الله عليه وسلم معهم ، فقتلت طائفة منهم وأسرت طائفة . قال : فأما الذين قتلوا فهم الذين قال الله فيهم : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . الاَية كلها { ألمْ تكُن أرضُ اللّهِ واسعةً فتهاجرُوا فيهَا } وتتركوا هؤلاء الذين يستضعفونكم { أولئكَ مَأواهُم جَهَنمُ وساءَتْ مَصيرا } . قال : ثم عذر الله أهل الصدق فقال : { إلاّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ وَالولْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } يتوجهون له لو خرجوا لهلكوا ، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم إقامتهم بين ظهري المشركين . وقال الذين أسروا : يا رسول الله إنك تعلم أنا كنا نأتيك فنشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وأن هؤلاء القوم خرجنا معهم خوفا ! فقال الله : { يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى إن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرا يُؤْتِكُمْ خَيْرا ممّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ } صنيعكم الذي صنعتم بخروجكم مع المشركين على النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَإنْ يُريدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ } خرجوا مع المشركين { فأمْكنَ مِنهُم واللّهُ عَليمٌ حَكيمٌ } .
حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال : ثني أبي ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس : أنه قال : كنت أنا وأمي ممن عذر الله إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { إلاّ الُمسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ وَالولْدَانِ } قال ابن عباس : أنا من المستضعفين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { ظالِمِي أنْفُسهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } قال : من قتل من ضعفاء كفار قريش يوم بدر .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عبد الله بن أبي يزيد ، قال : سمعت ابن عباس يقول : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عليّ بن زيد ، عن عبد الله أو إبراهيم بن عبد الله القرشي ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دبر صلاة الظهر : «اللّهُمّ خَلّصِ الَولِيدَ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشامٍ وَعَيّاشَ بْنَ أبي رَبِيعَةَ وَضَعَفَةَ المُسْلِمِينَ مِنْ أيْدِي المُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً » .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } قال : مؤمنون مستضعفون بمكة ، فقال فيهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : هم بمنزلة هؤلاء الذين قتلوا ببدر ضعفاء مع كفار قريش . فأنزل الله فيهم : { لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } . . . الاَية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .
وأما قوله : { لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } فإن معناه كما :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة في قوله : { لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } قال : نهوضا إلى المدينة¹ { وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } : طريقا إلى المدينة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } : طريقا إلى المدينة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن الحسن ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : الحيلة : المال ، والسبيل : الطريق إلى المدينة .
وأما قوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ } ففيه وجهان : أحدهما أن يكون «توفاهم » في موضع نصب بمعنى المضيّ ، لأن «فَعَلَ » منصوبة في كلّ حال . والاَخر أن يكون في موضع رفع بمعنى الاستقبال ، يراد به : إن الذين تتوفاهم الملائكة . فتكون إحدى التاءين من توفاهم محذوفة ، وهي مرادة في الكلمة ، لأن العرب تفعل ذلك إذا اجتمعت تاءان في أوّل الكلمة ربما حذفت إحداهما وأثبتت الأخرى ، وربما أثبتتهما جميعا .