الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس . أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأتي السهم يرمي به ، فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يضرب فيقتل . فأنزل الله { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر ، فأصيب بعضهم وقتل بعض ، فقال المسلمون : قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنزلت هذه الآية { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } إلى آخر الآية . قال : فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا ، فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة ، فأنزلت فيهم هذه الآية ( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ) ( التوبة الآية 121 ) إلى آخر الآية . فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فحزنوا وأيسوا من كل خير ، فنزلت فيهم ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) ( العنكبوت الآية10 ) فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا ، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن جرير عن عكرمة في قوله { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم } إلى قوله { وساءت مصيرا } قال : نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الأسود ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبي العاص بن منية بن الحجاج ، وعلي بن أمية بن خلف . قال : لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة ، خرجوا معهم بشبان كارهين ، كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد ، فقتلوا ببدر كفار ورجعوا عن الإسلام ، وهم هؤلاء الذين سميناهم .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق في قوله { إن الذين توفاهم الملائكة } قال : هم خمسة فتية من قريش : علي بن أمية ، وأبو قيس بن الفاكه ، وزمعة بن الأسود ، وأبو العاصي بن منية بن الحجاج . قال : ونسيت الخامس .

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال : هم قوم تخلفوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه ، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودبره .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : كان قوم بمكة قد أسلموا ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا ، فأنزل الله { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } إلى قوله { إلا المستضعفين } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : هم أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فلم يخرجوا معه إلى المدينة ، وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر ، فأصيبوا يوم بدر فيمن أصيب . فأنزل الله فيهم هذه الآية .

97