غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

92

ثم لما ذكر ثواب المجاهدين أتبعه وعيد القاعدين الراضين بالسكون في دار الكفر فقال : { إنّ الذين توفاهم } وأنه يحتمل أن يكون ماضياً فيكون إخباراً عن حال قوم انقرضوا ومضوا . عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانوا قوماً من المسلمين بمكة فخرجوا في قوم من المشركين في قتال فقتلوا معهم فنزلت الآية . ويحتمل أن يكون مستقبلاً بحذف إحدى التاءين فيكون الوعيد عاماً في كل من كان بهذه الصفة . قال الجمهور : معنى { تتوفاهم } تقبض أرواحهم عند الموت . ولا منافاة بينه وبين قوله :{ الله يتوفّى الأنفس }[ الزمر :42 ]{ قل يتوفاكم ملك الموت }[ السجدة :11 ] لأنه تعالى هو المتوفى والفاعل لكل الأشياء بالحقيقة إلاّ أن الرئيس المفوّض إليه هذا العمل ملك الموت وسائر الملائكة أعوانه . وعن الحسن : { توفاهم الملائكة } أي يحشرونهم إلى النار .

أما قوله : { ظالمي أنفسهم } فمنصوب على الحال عن مفعول توفي والإضافة فيه لفظية ولذا لم تفد تعريفاً فصح وقوعه حالاً . والظلم قد يراد به الشرك { إنّ الشرك لظلم عظيم }[ لقمان :13 ] فالمراد أنهم ظالمون أنفسهم بنفاقهم وكفرهم وتركهم الهجرة . وقد يراد به المعصية { فمنهم ظالم لنفسه }[ فاطر :32 ] فالمراد الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك غير مهاجرين إلى دار الإسلام حين كانت الهجرة فريضة . وفي خبر " إنّ " وجوه : الأول { قالوا فيم كنتم } والعائد محذوف للدلالة أي قالوا لهم . الثاني { فأولئك } فيكون { قالوا } حالاً من الملائكة بتقدير " قد " . الثالث إنّ الخبر محذوف وهو هلكوا . ثم فسر الهلاك بقوله : { قالوا فيم كنتم } أي في أي شيء كنتم من أمر دينكم ؟ والمراد التوبيخ على ترك الجهاد والرضا بالسكنى في دار الكفر وهو بالحقيقة النعي عليهم بأنهم ليسوا من الدين في شيء ، ولهذا لم يجيبوا بقولهم كنا في كذا أو لم نكن في شيء بل أجابوا بقولهم : { كنا مستضعفين } اعتذاراً مما وبخوا به واعتلالاً بأنهم ما كانوا قادرين على المهاجرة من أرض مكة حتى يكونوا في شيء .

ثم إنّ الملائكة لم يقبلوا منهم هذا العذر فبكتوهم قائلين : { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمتنعون فيها من إظهار دينكم كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة .

/خ101