فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

{ إن الذين توفاهم الملائكة } يحتمل أن يكون ماضيا وحذفت منه علامة التأنيث لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي ، ويحتمل أن يكون مستقبلا ، والأصل تتوفاهم ، عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار وقيل تقبض أرواحهم ، وهو الأظهر .

والمراد بالملائكة ملك الموت وحده ، وإنما ذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم لقوله تعالى { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } وقيل ملك الموت وأعوانه ، وعلى الأول يكون المراد بالملائكة الزبانية الذين يلون تعذيب الكفار .

{ ظالمي أنفسهم } بالمقام مع الكفار وترك الهجرة ، نزل فيمن أسلم ولم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة وخرج مع المشركين إلى بدر مرتدا فقتل كافرا { قالوا فيم كنتم } سؤال توبيخ أي في أي شيء كنتم من أمر دينكم قيل المعنى أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كنتم مشركين ، قاله القرطبي .

وقيل : إن معنى السؤال التقريع لهم بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين ، قال أبو حيان : أي في أي حالة كنتم بدليل الجواب أي في حالة قوة أو ضعف .

{ قالوا } على وجه الكذب معتذرين { كنا مستضعفين } عاجزين عن الهجرة { في الأرض } مكة لأن سبب النزول من أسلم بها ولم يهاجر ، وهذا اعتذار غير صحيح إذا كانوا يستطيعون الحيلة ويهتدون السبيل .

ثم أوقفتهم الملائكة على ذنبهم وألزمتهم الحجة وقطعت معذرتهم حيث { قالوا ألم تكن أرض الله واسعة } قيل المراد بهذه الأرض المدينة والأولى العموم اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو الحق ، فيراد بالأرض كل بقعة من بقاع الأرض تصلح للهجرة إليها ، ويراد بالأرض الأولى كل أرض ينبغي الهجرة منها .

{ فتهاجروا فيها } وتخرجوا من بين أظهر المشركين ، قال الواحدي : فيه أن الله لم يرض بإسلام أهل مكة حتى يهاجروا { فأولئك مأواهم } أي منزلهم { جهنم وساءت } أي جهنم { مصيرا } أي مكانا يصيرون إليه .

والآية تدل على أن من لم يتمكن من إقامة دينه في بلد كما يجب بأي سبب كان وعلم أنه يتمكن من إقامته في غيره ، حقت عليه الهجرة ، وفي الباب أحاديث ذكرناها في جواب سؤال عن الهجرة من أرض الهند اليوم بالفارسية فليرجع إليه .