فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

قوله : { توفاهم } يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً وحذفت منه علامة التأنيث ؛ لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي ، ويحتمل أن يكون مستقبلاً ، والأصل تتوفاهم ، فحذفت إحدى التاءين . وحكى ابن فورك ، عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار . وقيل تقبض أرواحهم ، وهو الأظهر . والمراد بالملائكة : ملائكة الموت لقوله تعالى : { قُلْ يتوفاكم ملَكُ الموت الذي وُكّلَ بِكُمْ } [ السجدة : 11 ] . وقوله : { ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } حال ، أي : في حال ظلمهم أنفسهم ، وقول الملائكة : { فِيمَ كُنتُمْ } سؤال توبيخ ، أي : في أي شيء كنتم من أمور دينكم ؟ وقيل المعنى : أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين ؟ وقيل : إن معنى السؤال التقريع لهم بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين . وقولهم : { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأرض } يعني : مكة ، لأن سبب النزول من أسلم بها ولم يهاجر ، كما سيأتي ، ثم أوقفتهم الملائكة على دينهم ، وألزمتهم الحجة ، وقطعت معذرتهم ، فقالوا : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فتهاجروا فِيهَا } قيل : المراد بهذه الأرض : المدينة ، والأولى العموم اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، كما هو الحق ، فيراد بالأرض كل بقعة من بقاع الأرض تصلح للهجرة إليها ، ويراد بالأرض الأولى كل أرض ينبغي الهجرة منها . قوله : { مأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } هذه الجملة خبر لأولئك ، والجملة خبر إن في قوله : { إِنَّ الذين توفاهم الملائكة } ودخول الفاء لتضمن اسم إن معنى الشرط : { وَسَاءتْ } أي : جهنم { مَصِيراً } أي : مكاناً يصيرون إليه .

/خ100