قوله تعالى { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا }
اعلم أنه تعالى لما ذكر ثواب من أقدم على الجهاد أتبعه بعقاب من قعد عنه ورضي بالسكون في دار الكفر ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال الفراء : إن شئت جعلت { توفاهم } ماضيا ولم تضم تاء مع التاء ، مثل قوله : { إن البقر تشابه علينا } وعلى هذا التقدير تكون هذه الآية إخبارا عن حال أقوام معينين انقرضوا ومضوا ، وإن شئت جعلته مستقبلا ، والتقدير : إن الذين تتوفاهم الملائكة ، وعلى هذا التقدير تكون الآية عامة في حق كل من كان بهذه الصفة .
المسألة الثانية : في هذا التوفي قولان : الأول : وهو قول الجمهور معناه تقبض أرواحهم عند الموت .
فإن قيل : فعلى هذا القول كيف الجمع بينه وبين قوله تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } { الذي خلق الموت والحياة } { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } وبين قوله : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } .
قلنا : خالق الموت هو الله تعالى ، والرئيس المفوض إليه هذا العمل هو ملك الموت وسائر الملائكة أعوانه .
القول الثاني : { توفاهم الملائكة } يعني يحشرونهم إلى النار ، وهو قول الحسن .
المسألة الثالثة : في خبر { إن } وجوه : الأول : أنه هو قوله : قالوا لهم فيم كنتم ، فحذف " لهم " لدلالة الكلام عليه . الثاني : أن الخبر هو قوله : { فأولئك مأواهم جهنم } فيكون { قالوا لهم } في موضع { ظالمي أنفسهم } ، لأنه نكرة . الثالث : أن الخبر محذوف وهو هلكوا ، ثم فسر الهلاك بقوله : { قالوا فيم كنتم } أما قوله تعالى : { ظالمي أنفسهم } ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قوله { ظالمي أنفسهم } في محل النصب على الحال ، والمعنى تتوفاهم الملائكة في حال ظلمهم أنفسهم ، وهو وإن أضيف إلى المعرفة إلا أنه نكرة في الحقيقة ، لأن المعنى على الانفصال ، كأنه قيل ظالمين أنفسهم ، إلا أنهم حذفوا النون طلبا للخفة ، واسم الفاعل سواء أريد به الحال أو الاستقبال فقد يكون مفصولا في المعنى وإن كان موصولا في اللفظ ، وهو كقوله تعالى : { هذا عارض ممطرنا } { هديا بالغ الكعبة } { ثاني عطفه } فالإضافة في هذه المواضع كلها لفظية لا معنوية .
المسألة الثانية : الظلم قد يراد به الكفر قال تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم } وقد يراد به المعصية { فمنهم ظالم لنفسه } وفي المراد بالظلم في هذه قولان : الأول : أن المراد الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك ، ولم يهاجروا إلى دار الإسلام . الثاني : أنها نزلت في قوم من المنافقين كانوا يظهرون الإيمان للمؤمنين خوفا ، فإذا رجعوا إلى قومهم أظهروا لهم الكفر ولم يهاجروا إلى المدينة ، فبين الله تعالى بهذه الآية أنهم ظالمون لأنفسهم بنفاقهم وكفرهم وتركهم الهجرة .
وأما قوله تعالى : { قالوا فيم كنتم } ففيه وجوه : أحدها : فيم كنتم من أمر دينكم . وثانيها : فيم كنتم ، في حرب محمد أو في حرب أعدائه . وثالثها : لم تركتم الجهاد ولم رضيتم بالسكون في ديار الكفار ؟
ثم قال تعالى : { قالوا كنا مستضعفين في الأرض } جوابا عن قولهم { فيم كنتم } وكان حق الجواب أن يقولوا : كنا في كذا ، أو لم نكن في شيء .
وجوابه : أن معنى { فيم كنتم } التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا ، فقالوا : كنا مستضعفين اعتذارا عما وبخوا به ، واعتلالا بأنهم ما كانوا قادرين على المهاجرة ، ثم إن الملائكة لم يقبلوا منهم هذا العذر بل ردوه عليهم فقالوا : { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ، فبقيتم بين الكفار لا للعجز عن مفارقتهم ، بل مع القدرة على هذه المفارقة ، فلا جرم ذكر الله تعالى وعيدهم فقال : { فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.