19- يا أيها الذين آمنوا لا يجوز لكم أن تجعلوا النساء كالمتاع ، فترثوهن زوجات لكم من غير صداق ، وهن كارهات ، ولا تظلموهن بالتضييق عليهن لينزلن عن بعض ما آتيتموهن من مهور ، ولا تضيقوا عليهن لتستردوا بعض ما آتيتموهن من مال إلا أن يرتكبن إثماً بيناً بنشوز أو سوء خلق أو فجور ، فلكم أن تضيِّقوا عليهن أو تأخذوا بعض ما آتيتموهن عند الفراق ، وعليكم - أيها المؤمنون - أن تحسنوا عشرة نسائكم قولاً وعملاً فإن كرهتموهن لعيب في الخَلْق أو الخُلُق أو غيرهما فاصبروا ولا تتعجلوا فراقهن فعسى أن يجعل الله في المكروه لكم خيراً كثيراً ، وعلم الأمور كلها عند الله .
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } . نزلت في أهل المدينة كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من ذوي عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة أو على خبائها فصار أحق بها من نفسها ومن غيره ، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها ، وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج ، يضارها لتفتدي منه بما ورثته من الميت أو تموت هي فيرثها ، فإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوبه فهي أحق بنفسها ، فكانوا على هذا حتى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية ، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن ، وقال مقاتل بن حيان : اسمه قيس بن أبي قيس ، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها يضارها لتفتدي منه ، فأتت كبيشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث نكاحي ابنه ، فلا ينفق علي ، ولا يدخل بي ، ولا يخلي سبيلي ، فقال : اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله . فأنزل الله تعالى هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } . قرأ حمزة والكسائي : كرهاً بضم الكاف ها هنا وفي التوبة . وقرأ الباقون بالفتح قال الكسائي : هما لغتان . قال الفراء : الكره بالفتح ما أكره عليه ، وبالضم ما كان من قبل نفسه من المشقة .
قوله تعالى : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } . أي : لا تمنعوهن من الأزواج ليضجرن فيفتدين ببعض مالهن ، قيل : هذا خطاب لأولياء الميت ، والصحيح أنه خطاب للأزواج . قال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا في الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضارها لتفتدي وترد إليه ما ساق إليها من المهر ، فنهى الله تعالى عن ذلك .
قوله تعالى : { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } . فحينئذ يحل لكم إضرارهن ليفتدين منكم ، واختلفوا في الفاحشة ، قال ابن مسعود وقتادة : هي النشوز ، وقال بعضهم : وهو قول الحسن : هي الزنا . يعني : المرأة إذا نشزت ، أو زنت حل للزوج أن يسألها الخلع ، وقال عطاء : كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشةً أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ ذلك بالحدود ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر ( مبينة ومبينات ) بفتح الياء ، ووافق أهل المدينة والبصرة في مبينات ، والباقون بكسرها .
قوله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } : قال الحسن : راجع إلى أول الكلام ، يعني { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } { وعاشروهن بالمعروف } والمعاشرة بالمعروف : هي الإجمال في القول ، والمبيت ، والنفقة ، وقيل : هي أن يتصنع لها كما تتصنع له .
قوله تعالى : { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } . قيل : هو ولد صالح ، أو يعطفه الله عليها .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا *
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا }
كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته ، رأى قريبُه كأخيه وابن عمه ونحوهما أنه أحق بزوجته من كل أحد ، وحماها عن غيره ، أحبت أو كرهت .
فإن أحبها تزوجها على صداق يحبه دونها ، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلا من يختاره هو ، وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئًا من ميراث قريبه أو من صداقها ، وكان الرجل أيضا يعضل زوجته التي [ يكون ] يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها ، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال إلا حالتين : إذا رضيت واختارت نكاح قريب زوجها الأول ، كما هو مفهوم قوله : { كَرْهًا } وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها ، عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل .
ثم قال : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية ، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف ، من الصحبة الجميلة ، وكف الأذى وبذل الإحسان ، وحسن المعاملة ، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما ، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان ، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال .
{ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } أي : ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن ، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا . من ذلك امتثال أمر الله ، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة .
ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس ، والتخلق بالأخلاق الجميلة . وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة ، كما هو الواقع في ذلك . وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة . وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور .
ثم وجه القرآن نداء عاما إلى المؤمنين نهاهم فيه عما كان شائعا فى الجاهلية من ظلم للنساء ؛ وإهدار لكرامتهن ، وأمرهم بحسن معاشرتهن ، وبعدم أخذ شئ من حقوقهن فقال - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الذين . . . . . مِّيثَاقاً غَلِيظاً } .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ( 19 ) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ( 20 ) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ( 21 )
قال القرطبى عند تفسيره للآية الأولى : اختلفت الروايات وأقوال المفسرين فى سبب نزولها ؛ فروى البخارى عن ابن عباس قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً } .
وقال الزهرى وأبو مجلز : كان من دعاتهم إذا مات الرجل يلقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبة ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها ، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذى أصدقها الميت . وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا ، وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها . فأنزل الله هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً } . الآية .
وقيل : كان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى الشابة فيكره فراق العجوز لمالها فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدى منه بمالها أو تموت فيرث مالها فنزلت هذه الآية .
ثم قال القرطبى : والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه فى جاهليتهم ، وألا تجعل النساء كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال . .
وهناك روايات أخرى فى سبب نزول هذه الآية هذه الآية ساقها ابن جرير وابن كثير وغيرهما ، وهى قريبة فى معناها ، مما أورده القرطبى ، لذا اكتفينا بما ساقه القرطبى .
وكلمة { كَرْهاً } قرأها حمزة والكسائى بضم الكاف . وقرأها الباقون بفتحها قال الكسائى : وهما لغتان بمعنى واحد . وقال الفراء : الكره - بفتح الكاف - بمعنى الإِكراه . وبالضم بمعنى المشقة . فما أكره عليه الإِنسان فهو كره - بالفتح - وما كان من جهة نفسه فهو كره - بالضم - .
والمعنى : يأيها الذين آمنوا وصدقوا بالحق الذى جاءهم من عند الله ، لا يحل لكم أن تأخذوا نساء موتاكم بطريق الإِرث وهو كارهات لذلك أو مكرهات عليه ، لأن هذا الفعل من أفعال الجاهلية التي حرمها الإِسلام لما فيها من ظلم للمرأة وإهانة لكرامتا .
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : " كانوا يبلون النساء بضروب من البلايا ، ويظلموهن بأنواع من الظلم ، فزجروا عن ذلك . فقيل : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً } أى : أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكروهات .
وقد وجه - سبحانه - النداء إلى المؤمنين فقال : { أَيُّهَا الذين آمَنُواْ } ليعم الخطاب جميع الأمة ، فيأخذ لك مكلف فيها بحظه منه سواء أكان هذا المكلف من أولياء المرأة أم من الأزواج أم من الحكام من غيرهم . وفى مخاطبتهم بصفة الإِيمان تحريك لحرارة العقيدة فى قلوبهم ، وتحريض لهم على الاستجابة إلى ما يقتضيه الإِيمان من طاعة لشريعة الله - تعالى - .
وصيغة { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ } صيغة تحريم صريح ؛ لأن الحل هو الإِباحة فى لسان العرب ولسان الشريعة . فنفيه يراجف معنى التحريم .
وليس النهى فى قوله : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً } منصبا على إرث أموالهن كما هو المعتاد ، وإنما النهى منصب على إرث المراة ذاتها كما كانوا يفعلون فى الجاهلية ؛ إذ كانوا يجعلون ذات المرأة كالمال فيرثونها من قريبهم كما يرثون ماله .
وقوله { كَرْهاً } مصدر منصوب على أنه حال من النساء . أى حال كونهن كارهات لذلك أو مكروهات عليه .
والتقييد بالكره لا يدل على الجواز عند عدمه ، لأن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفى ما عداه ، كما فى قوله - تعالى - : { وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } وقوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } نهى آخر عن بعض الأعمال السيئة التى كان أهل الجاهلية يعاملون بها المرأة . وهو معطوف على قوله : { أَن تَرِثُواْ . . . } . وأعيد حرف " لا " للتوكيد .
أى : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، ولا يحل لكم أن تعضلوهن .
وأصل العضل : التضييق والحبس والمنع . يقال : عضلت الناقة بولدها ، إذا نشب فى بطنها وتعسر عليه الخروج . وهو : أعضل به الأمر ، إذا اشتد وتعسر .
والمراد به هنا : منع المرأة من الزواج والتضييق عليها فى ذلك ، سواء أكان هذا المنع والتضييق من الزوج أم من غيره .
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : قوله - تعالى - : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } .
يقول : ولا تقهروهن لتذهبوا ببعض ما آيتموهن ، يعنى الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيؤذيها لتفتدى - أى : لتفتدى نفسها منه بأن تترك له مالها عليه من مهر أو مال - .
وقيل : كان أولياء الميت يمنعون زوجته من التزوج بمن شاءت ، ويتركونها على ذلك حتى تدفع لهم ما أخذت من ميراث الميت ، أو حتى تموت فيرثوها .
والمعنى : لا يحل لكم - أيها المؤمنون - أن ترثوا النساء كرها ، ولا أن تمنعوهن من الزواج { لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ } من الصداق أو غيره ، بأن يدفعن إليكم بعضه اضطراراً فتأخذوه منهن ، فإن هذا الفعل يبغضه الله - تعالى - .
ويبدو لنا من سياق الآية أن النهى عن عضل المرأة هنا - وإن كان يتناول جميع المكلفين - ، إلا أن المعنى به الأزواج ابتداء ، لأنهم - فى الغالب - هم الذين كانوا يفعلون ذلك .
ولذا قال ابن جرير - بعد أن ذكر الأقوال فى المعنى بالخطاب فى قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } .
وأولى الأقوال التى ذكرناها بالصحة فى تأويل قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } قول من قال : " نهى الله زوج المرأة عن التضييق عليها ، والإِضرار بها ، وهو لصحبتها كاره ولفراقها محب ، لتفتدى منه ببعض ما آتاها من الصداق " .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة ، لأنه لا سبيل لأحد إلى عضل المرأة إلا لأحد رجلين : إما لزوجها بالتضييق عليها . . ليأخذ منها ما آتاها . . . أو لوليها الذى إليه إنكاحها . ولما كان الولى معلوما أنه ليس ممن آتاها شيئا . كان معلوما أن الذى عنى الله - تعالى - بنهييه عن عضلها هو زوجها الذى له السبيل إلى عضلها ضرارا لتفتدى منه .
والاستثناء فى قوله { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } متصل من أعم العلل والأسباب ، أى لا تعضلوهن لعلة من العلل أو لسبب من الأسباب إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . لسوء أخلاقهن ، وكاشفة عن أحوالهن . كالزنا والنشوز ، وسوء الخلق ، وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء وفحش القول ونحوه ، فلكم العذر فى هذه الأحوال فى طلب الخلع منهن ، وأخذ ما أتيتموهن من المهر لوجود السبب من جهتهن لا من جهتكم .
والأصل فى هذا الحكم قوله - تعالى - { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا } ويرى بعضهم أن الاستثناء هنا منقطع فيكون المعنى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن لكن إن يأتين بفاحشة مبينة يحل لكم أخذ المهر الذى آتيتموهن إياه أو أخذ بعضه .
ثم أمر الله - تعالى - الرجال - وخصوصا الأزواج - بحسن معاشرة النساء فقال : { وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف } .
والمعاشرة : مفاعلة من العشرة وهى المخالطة والمصاحبة .
أى : وصاحبوهن وعاملوهن بالمعروف ، أى بما حض عليه الشرع وارتضاه العقل من الأفعال الحميدة ، والأقوال الحسنة .
قال ابن كثير : قوله - تعالى - { وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف } أى : طيبوا أقوالاكم لهن ، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم . كما تحب ذلك منها ، فافعل أنت مثله . كما قال - تعالى - { وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بالمعروف } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة ، دائم البشر ، يداعب أهله ، ويتلطف بهم ، ويضاحك نساءه . حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين - رضى الله عنها - يتودد إليها بذلك . قالت : سابقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته . وذلك قبل أن أحمل اللحم . ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقنى . فقال : هذه بتلك . وكان صلى الله عليه وسلم يجمع نساءه كل ليلة فى بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء فى بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها . وكان ينام مع المرأة من نسائه فى شعار واحد . يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإِزار .
وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام .
يؤانس بذلك صلى الله عليه وسلم . وقد قال - تعالى - { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } هذا ، وللإِمام الغزالى كلام حسن فى كتابه الإِحياء عند حديثه عن آداب معاشرة النساء ، فقد قال ما ملخصه : ومن آداب المعاشرة حسن الخلق معهن ، واحتمال الأذى منهن ، ترحما عليهن ، لقصور عقلهن . قال - تعالى - : { وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف } وقال فى تعظيم حقهن : { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } .
ثم قال : واعلم أنه حسن الخلق معها كف الأذى عنها ، بل احتمال الأذى منها ، والحلم عن طيشها وغضبها ، اقتداء برسولا لله صلى الله عليه وسلم . فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام . ومن آداب المعاشرة - أيضا - أن يزيد على احتمال الأذى منها بالمداعبة والمزح والملاعبة ، فهى التى تطيب قلوب النساء . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن فى الأعمال .
وقال عمر - رضى الله عنه - ينبغى للرجل أن يكون فى أهله مثل الصبى . فإذا التمسوا ما معنده وجدوه رجلا .
وكان ابن عباس - رضى الله عنه - يقول : " إنى - لأتزين لامرأتى كما تتزين لى " .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان أنه لا يصح للرجال أن يسترسلوا فى كراهية النساء إن عرضت لهم أسباب الكراهية ، بل عليهم أن يغلبوا النظر إلى المحاسن ، ويتغاضوا عن المكاره فقال : - تعالى - : { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } .
أى : فإن كرهتم صحبتهن وإمساكهن فلا تتعجلوا فى مفارقتهن ، فإنه عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله لكم فى الصبر عليه وعدم إنفاذه خيراً كثيراً فى الدنيا والآخرة .
فالآية الكريمة ترشد إلى حكم عظيمة منها أن على العاقل أن ينظر إلى الحياة الزوجية من جميع نواحيها ، لا من ناحية واحدة منها وهى ناحية البغض والحب . . وأن ينظر فى العلاقة التى بينه وبين زوجه بعين العقل والمصلحة المشتركة ، لا بعين الهوى . . وأن يحكم دينه وضميره قبل أن يحكم عاطفته ووجدانه . فربما كرهت النفس ما هو أصلح فى الدين وأحمد وأدنى إلى الخير ، وأحبت ما هو بضد ذلك ، وربما يكون الشئ الذى كرهته اليوم ولكنها لم تسترسل فى كراهيته سيجعل الله فيه خيراً كثيراً فى المستقبل . قال - تعالى - { وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعسى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } قال القرطبى : روى الإِمام مسلم فى صحيح عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقاً رضى منها آخر " أى : لا يبغضها بغضا كليا يحمله على فراقها .
أى لا ينبغى له ذلك ، بل يغفر سيئتها لحسنتها ، ويتغاضى عما يكره لما يجب - والفرك البغض الكلى الذى تنسى مع كل المحاسن - .
وقال مكحول : سمعت ابن عمر رضى الله عنهما - يقول : إن الرجل ليستخير الله - تعالى - فيخار له ، فيسخط على ربه - عز وجل - فلا يلبث أن ينظر فى العاقبة فإذا هو قد خير له .
{ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } كان الرجل إذا مات وله عصبة ألقى ثوبه على امرأته وقال : أنا أحق بها ثم إن شاء تزوجها بصداقها الأول ، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها ، وإن شاء عضلها لتفتدي بما ورثت من زوجها ، فنهوا عن ذلك . وقيل : لا يحل لكم أن تأخذوهن على سبيل الإرث فتتزوجوهن كارهات لذلك أو مكرهات عليه . وقرأ حمزة والكسائي { كرها } بالضم في مواضعه وهما لغتان . وقيل بالضم المشقة وبالفتح ما يكره عليه . { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } عطف على { أن ترثوا } ، ولا لتأكيد النفي أي ولا تمنعوهن من التزويج ، وأصل العضل التضييق يقال عضلت الدجاجة ببيضها . وقيل الخطاب مع الأزواج كانوا يحبسون النساء من غير حاجة ورغبة حتى يرثوا منهن أو يختلعن بمهورهن . وقيل تم الكلام بقوله كرها ثم خاطب الأزواج ونهاهم عن العضل . { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } كالنشوز وسوء العشرة وعدم التعفف ، والاستثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له تقديره ولا تعضلوهن للافتداء إلا وقت أن يأتين بفاحشة ، أو ولا تعضلوهن لعلة إلا أن يأتين بفاحشة . وقرأ ابن كثير وأبو بكر { مبينة } هنا وفي الأحزاب والطلاق بفتح الياء والباقون بكسرها فيهن . { وعاشروهن بالمعروف } بالإنصاف في الفعل والإجمال في القول . { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } أي فلا تفارقوهن لكراهة النفس فإنها قد تكره ما هو أصلح دينا وأكثر خيرا ، وقد تحب ما هو بخلافه . وليكن نظركم إلى ما هو أصلح للدين وأدنى إلى الخير ، وعسى في الأصل علة فأقيم مقامه ، والمعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .
اختلف المتأولون في معنى قوله تعالى : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } فقال ابن عباس : كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته في أهلها ، إن شاؤوا تزوجها أحدهم ، وإن شاؤوا زوجوها من غيرهم ، وإن شاؤوا منعوها الزواج ، فنزلت الآية في ذلك ، قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف{[3908]} : لما توفي أبو قيس بن الأسلت{[3909]} ، أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فنزلت الآية في ذلك ، ذكر النقاش : أن اسم ولد أبي قيس محصن .
قال القاضي أبو محمد : كانت هذه السيرة في الأنصار لازمة ، وكانت في قريش مباحة مع التراضي ، ألا ترى أن أبا عمرو بن أمية ، خلف على امرأة أبيه بعد موته ، فولدت من أبي عمرو مسافراً وأبا معيط وكان لها من أمية أبو العيص وغيره ، فكان بنو أمية إخوة مسافر وأبي معيط وأعمامها ، وقال بمثل هذا القول الذي حكيت عن ابن عباس عكرمة والحسن البصري وأبو مجلز ، قال عكرمة : نزلت في كبيشة بنت معن الأنصارية ، توفي عنها أبو قيس بن الأسلت ، وقال مجاهد : كان الابن الأكبر أحق بامرأة أبيه إذا لم يكن ولدها ، وقال السدي : كان ولي الميت إذا سبق فألقى على امرأة الميت ثوبه ، فهو أحق بها ، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها .
قال القاضي أبو محمد : والروايات في هذا كثيرة بحسب السير الجاهلية ، ولا منفعة في ذكر جميع ذلك ، إذ قد أذهبه الله بقوله : { لا يحل لكم } ومعنى الآية على هذا القول : { لا يحل لكم } أن تجعلوا النساء كالمال ، يورَثن عن الرجال الموتى ، كما يورث المال ، والمتلبس بالخطاب أولياء الموتى ، وقال بعض المتأولين : معنى الآية : { لا يحل لكم } عضل النساء اللواتي أنتم أولياء لهن وإمساكهن دون تزويج حتى يمتن فتورث أموالهن .
قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا القول فالموروث مالها لا هي ، وروي نحو هذا عن ابن عباس وغيره ، والمتلبس بالخطاب أولياء النساء وأزواجهن ، إذا حبسوهن مع سوء العشرة طماعية أن يرثوهن{[3910]} .
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير : «كَرهاً » بفتح الكاف حيث وقع في النساء وسورة التوبة وفي الأحقاف ، وقرأ حمزة والكسائي جميع ذلك بضم الكاف ، وقرأ عاصم وابن عامر في النساء والتوبة بفتح الكاف ، وفي الأحقاف في الموضعين بضمها ، والكَره والكُره لغتان كالضعف والضعف ، والفقر والفقر ، قاله أبو علي ، وقال الفراء : هو بضم الكاف المشقة وبفتحها إكراه غير ، وقاله ابن قتيبة ، واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : { ولا تعضلوهن } الآية ، فقال ابن عباس وغيره : هي أيضاً في أولئك الأولياء الذين كانوا يرثون المرأة لأنهم كانوا يتزوجونها إذا كانت جميلة ، ويمسكونها حتى تموت إذا كانت دميمة ، وقال نحوه الحسن وعكرمة .
قال القاضي أبو محمد : ويجيء في قوله : { آتيتموهن } خلط أي ما آتاها الرجال قبل ، فهي كقوله : { فاقتلوا أنفسكم } [ البقرة : 54 ] وغير ذلك وقال ابن عباس أيضاً : هي في الأزواج ، في الرجل يمسك المرأة ويسيء عشرتها حتى تفتدي منه ، فذلك لا يحل له ، وقال مثله قتادة ، وقال ابن البيلماني : الفصل الأول من الآية هو في أمر الجاهلية ، والثاني في العضل ، هو في أهل الإسلام في حبس الزوجة ضراراً للفدية ، وقال ابن مسعود ، معنى الآية : لا ترثوا النساء كفعل الجاهلية ، { ولا تعضلوهن } في الإسلام ، وقال نحو هذا القول السدي والضحاك ، وقال السدي : هذه الآية خطاب للأولياء ، كالعضل المنهي عنه في سورة البقرة . قال القاضي أبو محمد : وهذا يقلق ، إلا أن يكون العضل من ولي وارث ، فهو يؤمل موتها ، وإن كان غير وارث فبأي شيء يذهب ؟ وقال ابن زيد : هذا العضل المنهي عنه في هذه الآية هو من سير الجاهلية في قريش بمكة ، إذا لم يتوافق الزوجان طلقها على ألا تتزوج إلا بإذنه ، ويشهد عليها بذلك ، فإذا خطبت فإن أعطته ورشته وإلا عضل ، ففي هذا نزلت الآية .
قال القاضي أبو محمد : والذي أقول : إن العضل في اللغة الحبس في شدة ومضرة ، والمنع من الفرج في ذلك فمن ذلك قولهم : أعضلت الدجاجة وعضلت إذا صعب عليها وضع البيضة ، ومنه أعضل الداء إذا لحج ولم يبرأ ، ومنه داء عضال . ومشى عرف الفقهاء على أن العضل من الأولياء في حبس النساء عن التزويج ، وهو في اللغة أعم من هذا حسبما ذكرت ، يقع من ولي ومن زوج ، وأقوى ما في هذه الأقوال المتقدمة ، أن المراد الأزواج ، ودليل ذلك قوله : { إلا أن يأتين بفاحشة } وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعاً من الأمة ، وإنما ذلك للزوج على ما سنبين بعد إن شاء الله ، وكذلك قوله : { وعاشروهن بالمعروف } إلى آخر الآية يظهر منه تقوية ما ذكرته ، وإن كان ذلك يحتمل أن يكون أمراً منقطعاً من الأول يخص به الأزواج ، وأما العضل فمنهي عنه كل من يتصور في نازلة عاضلاً ، ومتى صح في ولي أنه عاضل نظر القاضي في أمر المرأة وزوجها ولم يلتفت ، إلا الأب في بناته ، فإنه إن كان في أمره إشكال فلا يعترض قولاً واحداً{[3911]} ، وإن صح عضله ففيه قولان في مذهب مالك : أحدهما أنه كسائر الأولياء : يزوج القاضي من شاء التزويج من بناته وطلبه ، والقول الآخر إنه لا يعرض له ، ويحتمل قوله : { ولا تعضلوهن } أن يكون جزماً ، فتكون الواو عاطفة جملة كلام مقطوعة من الأولى ، ويحتمل أن يكون { تعضلوهن } نصباً عطفاً على { ترثوا } فتكون الواو مشركة عاطفة فعل على فعل ، وقرأ ابن مسعود : «ولا أن تعضلوهن » فهذه القراءة تقوي احتمال النصب ، وأن العضل مما لا يحل بالنص ، وعلى تأويل الجزم هو نهي معرض لطلب القرائن في التحريم أو الكراهية ، واحتمال النصب أقوى ، واختلف الناس في معنى الفاحشة هنا ، فقال الحسن بن أبي الحسن : هو الزنا ، وإذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى سنة ، وترد إلى زوجها ما أخذت منه ، وقال أبو قلابة : إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه ، وقال السدي : إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن ، وقال عطاء الخراساني : كان هذا الحكم ثم نسخ بالحدود ، وهذا قول ضعيف ، وقال ابن عباس رحمه الله : «الفاحشة » في هذه الآية البغض والنشوز ، وقاله الضحاك وغيره ، قالوا : فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها .
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو مذهب مالك ، إلا أني لا أحفظ له نصاً في معنى «الفاحشة » في هذه الآية ، وقال قوم «الفاحشة » البذاء باللسان وسوء العشرة قولاً وفعلاً ، وهذا في معنى النشوز ، ومن أهل العلم من يجيز أخذ المال من الناشز على جهة الخلع ، إلا أنه يرى ألا يتجاوز ما أعطاها ركوناً إلى قوله تعالى : { لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } وقال مالك وأصحابه وجماعة من أهل العلم : للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك .
قال القاضي أبو محمد : والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى ، وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال ، وقرأ ابن مسعود : «إلا أن يفحشن وعاشروهن » .
قال القاضي أبو محمد : وهذا خلاف مفرط لمصحف الإمام ، وكذلك ذكر أبو عمرو عن ابن عباس وعكرمة وأبيّ بن كعب ، وفي هذا نظر ، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر «مبينة » و «آيات مبينَّات » بفتح الياء فيهما ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص والمفضل عن عاصم : «مبينة » و «مبيِّنات » - بكسر الياء فيهما ، وقرأ نافع وأبو عمرو : «مبيَّنة » بالكسر ، و «مبيَّنات » بالفتح - وقرأ ابن عباس : «بفاحشة مبينة » بكسر الباء وسكون الياء ، من أبان الشيء ، وهذه القراءات كلها لغات فصيحة ، يقال : بين الشيء وأبان : إذا ظهر ، وبان الشيء وبينته ، وقوله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } أمر للجميع ، إذ لكل أحد عشرة ، زوجاً كان أو ولياً ، ولكن المتلبس في الأغلب بهذا الأمر الأزواج ، والعشرة المخالطة والممازجة ، ومنه قول طرفة{[3912]} : [ الرمل ]
فَلَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةً *** لَعَلَى عَهْدٍ حبيب معتشر
جعل - الحبيب - جمعاً كالخليط والفريق ، يقال : عاشره معاشرة ، وتعاشر القوم واعتشروا ، وأرى اللفظة من أعشار الجزور ، لأنها مقاسمة ومخالطة ومخالقة جميلة ، فأمر الله تعالى الرجال بحسن صحبة النساء ، وإلى هذا ينظر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فاستمتع بها وفيها عوج »{[3913]} ، ثم أدب تعالى عباده بقوله : { فإن كرهتموهن } إلى آخر الآية : قال السدي : الخير الكثير في المرأة : الولد ، وقال نحوه ابن عباس .
قال القاضي أبو محمد : ومن فصاحة القرآن العموم الذي في لفظة< شيء> لأنه يطرد هذا النظر في كل ما يكرهه المرء مما يجمل الصبر عليه ، فيحسن الصبر ، إذ عاقبته إلى خير ، إذا أريد به وجه الله .
{ ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً } .
استئناف تشريع في أحكام النساء التي كان سياق السورة لبيانها وهي التي لم تزل آيها مبيّنة لأحكامها تأسيساً واستطراداً ، وبدءا وعودا ، وهذا حكم تابع لإبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من جعل زوج الميّت موروثة عنه وافتتح بقوله : { يا أيها الذين آمنوا } للتنويه بما خوطبوا به .
وخوطب الذين آمنوا ليعمّ الخطاب جميع الأمّة ، فيأخذ كلّ منهم بحظّه منه ، فمريد الاختصاص بامرأة الميّت يعلم ما يختصّ به منه ، والوليّ كذلك ، وولاة الأمور كذلك .
وصيغة { لا يحل } صيغة نهي صريح لأنّ الحلّ هو الإباحة في لسان العرب ولسان الشريعة ، فنفيه يرادف معنى التحريم .
والإرث حقيقته مصير الكسب إلى شخص عقب شخص آخر ، وأكثر ما يستعمل في مصير الأموال ، ويطلق الإرث مجازاً على تمحّض الملك لأحد بعد المشارك فيه ، أو في حالة ادّعاء المشارك فيه ، ومنه { يرث الأرض ومَن عليها } ، وهو فعل متعدّ إلى واحد يتعدّى إلى المتاع الموروث ، فتقول : ورثت مال فلان ، وقد يتعدى إلى ذات الشخص الموروث ، يقال : ورث فلان أباه ، قال تعالى : { فهب لي من لدنك وليا يرثني } [ مريم : 6 ] وهذا هو الغالب فيه إذا تعدّى إلى ما ليس بمال .
فتعدية فعل { أن ترثوا } إلى { النساء } من استعماله الأوّل : بتنزيل النساء منزلة الأموال الموروثة ، لإفادة تبشيع الحالة التي كانوا عليها في الجاهلية . أخرج البخاري ، عن ابن عباس ، قال : « كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته إن شاء بعضهم تزوّجها ، وإن شاءوا زوّجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوّها ، فهم أحقّ بها من أهلها فنزلت هذه الآية » وعن مجاهد ، والسدّي ، والزهري كان الابن الأكبر أحقّ بزوج أبيه إذا لم تكن أمّه ، فإن لم يكن أبناء فوليّ الميّت إذا سبق فألقى على امرأة الميّت ثوبه فهو أحقّ بها ، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحقّ بنفسها . وكان من أشهر ما وقع من ذلك في الجاهلية أنّه لمّا مات أمية بن عبد شمس وترك امرأته ولها أولاد منه : العيص ، وأبو العيص ، والعاص ، وأبو العاص ، وله أولاد من غيرها منهم أبو عمرو بن أمية فخلف أبو عمرو على امرأة أبيه ، فولدت له : مُسافراً ، وأبا معيط ، فكان الأعياص أعماماً لمسافر وأبي معيط وأخوتهما من الأمّ » .
وقد قيل : نزلت الآية لمّا توفّي أبو قيس بن الأسلت رام ابنه أن يتزوّج امرأته كبشة بنت معن الأنصارية ، فنزلت هذه الآية . قال ابن عطية : وكانت هذه السيرة لازمة في الأنصار ، وكانت في قريش مباحة مع التراضي . وعلى هذا التفسير يكون قوله { كرهاً } حالا من النساء ، أي كارهات غير راضيات ، حتّى يرضين بأن يكنّ أزواجاً لمن يرضينه ، مع مراعاة شروط النكاح ، والخطاب على هذا الوجه لورثة الميّت .
وقد تكرّر هذا الإكراه بعوائدهم التي تمالؤوا عليها ، بحيث لو رامت المرأة المحيد عنها ، لأصبحت سبّة لها ، ولما وجدت من ينصرها ، وعلى هذا فالمراد بالنساء الأزواج ، أي أزواج الأموات .
ويجوز أن يكون فعل ( ترثوا ) مستعملا في حقيقته ومتعدّيا إلى الموروث فيفيد النهي عن أحوال كانت في الجاهلية : منها أنّ الأولياء يعضلون النساء ذوات المال من التزوّج خشية أنّهنّ إذا تزوّجن يلدن فيرثهنّ أزواجهنّ وأولادهنّ ولم يكن للوليّ العاصب شيء من أموالهنّ ، وهنّ يرغبن أن يتزوّجن ؛ ومنها أنّ الأزواج كانوا يكرهون أزواجهم ويأبَون أن يطلّقوهنّ رغبة في أن يمتن عندهم فيرثوهنّ ، فذلك إكراه لهنّ على البقاء على حالة الكراهية ، إذ لا ترضى المرأة بذلك مختارة ، وعلى هذا فالنساء مراد به جمع امرأة ، وقرأ الجمهور : كرها بفتح الكاف وقرأه حمزة ، والكسائي وخلف بضم الكاف وهما لغتان .
{ ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن }
عطف النهي عن العضل على النهي عن إرث النساء كرها لمناسبة التماثل في الإكراه وفي أنّ متعلّقه سوء معاملة المرأة ، وفي أنّ العضل لأجل أخذ مال منهنّ .
والعضل : منع وليّ المرأة إيّاها أن تتزوّج ، وقد تقدّم الكلام عليه عند قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } في سورة البقرة [ 232 ] .
فإن كان المنهي عنه في قوله : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } هو المعنى المتبادر من فعل ( ترثوا ) ، وهو أخذ مال المرأة كرها عليها ، فعطف { ولا تعضلوهن } إمّا عطف خاصّ على عامّ ، إن أريد خصوص منع الأزواج نساءهم من الطلاق مع الكراهية ، رغبة في بقاء المرأة عنده حتّى تموت فيرث منها مالها ، أو عطف مباين إن أريد النهي عن منعها من الطلاق حتّى يلجئها إلى الافتداء منه ببعض ما آتاها ، وأيّامّا كان فإطلاق العضل على هذا الإمساك مجاز باعتبار المشابهة لأنّها كالتي لا زوج لها ولم تتمكّن من التزوّج .
وإن كان المَنهي عنه في قوله : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء } المعنى المجازي لترثوا وهو كون المرأة ميراثاً ، وهو ما كان يفعله أهل الجاهلية في معاملة أزواج أقاربهم وهو الأظهر فعطف { ولا تعضلوهن } عطف حكم آخر من أحوال المعاملة ، وهو النهي عن أن يعضل الوليّ المرأة من أن تتزوّج لتبقى عنده فإذا ماتت ورثها ، ويتعيّن على هذا الاحتمال أن يكون ضمير الجمع في قوله : { لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } راجعاً إلى من يتوقّع منه ذلك من المؤمنين وهم الأزواج خاصّة ، وهذا ليس بعزيز أن يطلق ضمير صالح للجمع ويراد منه بعض ذلك الجمع بالقرينة ، كقوله : { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] أي لا يقتل بعضكم أخاه ، إذ قد يعرف أنّ أحداً لا يقتل نفسه ، وكذلك { فسلموا على أنفسكم } [ النور : 61 ] أي يسلم الداخل على الجالس . فالمعنى : ليذهب بعضكم ببعض ما آتاهنّ بعضكم ، كأن يريد الوليّ أن يذهب في ميراثه ببعض مال مولاته الذي ورثته من أمّها أو قريبها أو من زوجها ، فيكون في الضمير توزيع .
وإطلاق العضل على هذا المعنى حقيقة . والذهاب في قوله : { لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } مجاز في الأخذ ، كقوله : { ذهب الله بنورهم } [ البقرة : 17 ] ، أي أزاله .
ليس إتيانهنّ بفاحشة مبيّنة بعضاً ممّا قبل الاستثناء لا من العضل ولا من الإذهاب ببعض المهر . فيحتمل أن يكون الاستثناء متّصلا استثناءً من عموم أحوال الفعل الواقع في تعليل النهي ، وهو إرادة الإذهاب ببعض ما آتَوْهُنّ ، لأنّ عموم الأفراد يستلزم عموم الأحوال ، أي إلاّ حال الإتيان بفاحشة فيجوز إذهابكم ببعض ما آتيتموهنّ . ويحتمل أن يكون استثناء منقطعاً في معنى الاستدراك ، أي لكن إتيانهنّ بفاحشة يُحِلّ لكم أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ ، فقيل : هذا كان حكم الزوجة التي تأتي بفاحشة وأنّه نسخ بالحدّ . وهو قول عطاء .
والفاحشة هنا عند جمهور العلماء هي الزنا ، أي أنّ الرجل إذا تحقّق زنى زوجه فله أن يعضلها ، فإذا طلبت الطلاق فله أن لا يطلّقها حتّى تفتدي منه ببعض صداقها ، لأنّها تسبّبت في بَعْثَرة حال بيت الزوج ، وأحوجته إلى تجديد زوجة أخرى ، وذلك موكول لدينه وأمانة الإيمان . فإنْ حاد عن ذلك فللقضاة حمله على الحقّ . وإنّما لم يَجْعل المفاداةَ بجميع المهر لئلا تصير مدّةُ العصمة عريَّة عن عوض مقابل ، هذا ما يؤخذ من كلام الحَسن . وأبي قلابة ، وابن سيرين وعطاء ؛ لكن قال عطاء : هذا الحكم نسخ بحدّ الزنا وباللعان ، فحرّم الإضرار والافتداء .
وقال ابن مسعود ، وابن عباس ، والضحّاك ، وقتادة : الفاحشة هنا البغض والنشوز ، فإذا نشزت جاز له أن يأخذ منها . قال ابن عطيّة : وظاهر قول مالك بإجازة أخذ الخلع عن الناشز يناسب هذا إلاّ أني لا أحفظ لمالك نصّا في الفاحشة في هذه الآية .
وقرأ الجمهور : مبيِّنة بكسر التحتية اسم فاعل من بيَّن اللازم بمعنى تبيَّن ، كما في قولهم في المثل « بَيَّنَ الصبحُ لذي عَيْنَيْن » . وقرأه ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلَف بفتح التحتية اسم مفعول من بيَّن المتعدي أي بيَّنها وأظْهَرَها بحيث أشْهَدَ عَليهنّ بها .
{ وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا }
أعقب النهي عن إكراه النساء والإضرارِ بهنّ بالأمر بحسن المعاشرة معهنّ ، فهذا اعتراض فيه معنى التذييل لما تقدّم من النهي ، لأنّ حسن المعاشرة جامع لنفي الإضرار والإكراه ، وزائد بمعاني إحسان الصحبة .
والمعاشرة مفاعلة من العِشْرة وهي المخالطة ، قال ابن عطية : وأرى اللفظة من أعشار الجزور لأنّها مقاسمة ومخالطة ، أي فأصل الاشتقاق من الاسم الجامد وهو عدد العشرة . وأنَا أراها مشتقّة من العشِيرة أي الأهل ، فعاشَره جَعَلَه من عشيرته ، كما يقال : آخاه إذا جعله أخاً . أمّا العشيرة فلا يعرف أصل اشتقاقها . وقد قيل : إنها من العشرة أي اسم العدد وفيه نظر .
والمعروف ضدّ المنكر وسمّي الأمر المكروه منكراً لأنّ النفوس لا تأنس به ، فكأنّه مجهول عندها نَكِرة ، إذ الشأن أنّ المجهول يكون مكروهاً ثمّ أطلقوا اسم المنكر على المكروه ، وأطلقوا ضدّه على المحبوب لأنّه تألفه النفوس . والمعروف هنا ما حدّده الشرع ووصفه العرف .
والتفريع في قوله : { فإن كرهتموهن } على لازم الأمر الذي في قوله : { وعاشروهن } وهو النهي عن سوء المعاشرة ، أي فإن وجد سبب سوء المعاشرة وهو الكراهية . وجملة { فعسى أن تكرهوا } نائبه مناب جواب الشرط ، وهي عليه له فعلم الجواب منها . وتقديره : فتثبتوا ولا تعجلوا بالطلاق ، لأن قوله { فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً } يفيد إمكان أن تكون المرأة المكروهة سببَ خيرات فيقتضي أن لا يتعجّل في الفراق .
و { عَسَى } هنا للمقاربة المجازية أو الترجّي . و{ أن تكرهوا } سادَ مسدّ معموليها ، { وَيَجْعَلَ } معطوف على { تكرهوا } ، ومناط المقاربةِ والرجاءِ هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه ، بدلالة القرينة على ذلك .
وهذه حكمة عظيمة ، إذ قد تكره النفوس ما في عاقبته خير فبعضه يمكن التوصّل إلى معرفة ما فيه من الخير عند غوص الرأي . وبعضه قد علم الله أنّ فيه خيراً لكنّه لم يظهر للناس . قال سهل بن حنيف ، حين مرجعه من صفّين « اتَّهِموا الرأي فلقد رأيتُنا يَوم أبي جندل ولو نستطيع أن نردّ على رسول الله أمْره لردَدْنا . واللَّه ورسولُه أعلم » . وقد قال تعالى ، في سورة البقرة { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم } [ البقرة : 216 ] .
والمقصود من هذا : الإرشادُ إلى إعماق النظر وتغلغل الرأي في عواقب الأشياء ، وعدم الاغترار بالبوارق الظاهرة . ولا بميل الشهوات إلى ما في الأفعال من ملائم ، حتّى يسبره بمسبار الرأي ، فيتحقّق سلامة حسن الظاهر من سُوء خفايا الباطن .
واقتصر هنا على مقاربة حصول الكراهية لشيء فيه خير كثير ، دون مقابلة ، كما في آية البقرة ( 216 ) { وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم } لأنّ المقام في سورة البقرة مقام بيان الحقيقة بطَرفيها إذ المخاطبون فيها كَرِهوا القتال ، وأحبّوا السلم ، فكان حالهم مقتضيا بيان أنّ القتال قد يكون هو الخير لما يحصل بعده من أمن دائم ، وخضد شوكة العدوّ ، وأنّ السلم قد تكون شرّا لما يحصل معها من استخفاف الأعداء بهم ، وطمعهم فيهم ، وذهاب عزّهم المفضي إلى استعبادهم ، أمّا المقام في هذه السورة فهو لبيان حكم من حدث بينه وبين زوجه ما كَرّهه فيها ، ورام فراقها ، وليس له مع ذلك ميل إلى غيرها ، فكان حاله مقتضياً بيان ما في كثير من المكروهات من الخيرات ، ولا يناسب أن يبيّن له أنّ في بعض الأمور المحبوبة شروراً لكونه فتحا لباب التعلّل لهم بما يأخذون من الطرف الذي يميل إليه هواهم . وأُسند جعل الخير في المكروه هُنا للَّه بقوله : { ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } المقتضى أنه جَعْل عارض لمكروه خاصّ ، وفي سورة البقرة ( 216 ) قَال : { وهو خير لكم } لأنّ تلك بيان لما يقارن بعض الحقائق من الخفاء في ذات الحقيقة ، ليكون رجاء الخير من القتال مطّردا في جميع الأحوال غير حاصل بجَعْل عارض ، بخلاف هذه الآية ، فإنّ الصبْر على الزوجة الموذية أو المكروهة إذا كان لأجل امتثال أمر الله بحسن معاشرتها ، يكون جعل الخير في ذلك جزاءً من الله على الامتثال .