119- لكن الذين رحمهم الله لسلامة فِطَرِهم ، فإنهم اتفقوا على حُكم الله فيهم ، فآمنوا بجميع رسله وكتبه واليوم الآخر . ولهذه المشيئة التي اقتضتها حكمته تعالى في نظام هذا العالم ، خلقهم الله سبحانه مستعدين لهذا الثواب والعقاب ، وبهذا يتحقق وعد ربك بأنه لا بد من أن يملأ جهنم من أتباع إبليس من الجن والناس .
قوله تعالى : { إلا من رحم ربك } ، معناه : لكن من رحم ربك فهداهم إلى الحق ، فهم لا يختلفون ، { ولذلك خلقهم } ، قال الحسن وعطاء : وللاختلاف خلقهم . وقال أشهب : سألت مالكا عن هذه الآية ، فقال : خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير . وقال أبو عبيدة : الذي أختاره قول من قال : خلق فريقا لرحمته وفريقا لعذابه . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : وللرحمة خلقهم ، يعني الذين رحمهم . وقال الفراء : خلق أهل الرحمة للرحمة ، وأهل الاختلاف للاختلاف . وحاصل الآية : أن أهل الباطل مختلفون ، وأهل الحق متفقون ، فخلق الله أهل الحق للاتفاق ، وأهل الباطل للاختلاف . { وتمت كلمة ربك } ، وتم حكم ربك . { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين* } .
{ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ْ } فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به ، والاتفاق عليه ، فهؤلاء سبقت لهم ، سابقة السعادة ، وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي .
وأما من عداهم ، فهم مخذولون موكولون إلى أنفسهم .
وقوله : { وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ْ } أي : اقتضت حكمته ، أنه خلقهم ، ليكون منهم السعداء والأشقياء ، والمتفقون والمختلفون ، والفريق الذين هدى الله ، والفريق الذين حقت عليهم الضلالة ، ليتبين للعباد ، عدله وحكمته ، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر ، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء .
{ وَ ْ } لأنه { تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ْ } فلا بد أن ييسر للنار أهلا ، يعملون بأعمالها الموصلة إليها .
قال الإِمام ابن كثير : وقوله { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } أى : إلا المرحومين من أتباع الرسل ، الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين الذى أخبرتهم به رسل الله إليهم ، ولم يزل ذلك دأبهم ، حتى كان النبى - صلى الله عليه وسلم - الأمى خاتم الرسل والأنبياء ، فاتبعوه وصدقوه ونصروه ، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة ؛ لأنهم الفرقة الناجية ، كما جاء فى الحديث المروى فى المسانيد والسنن ، من طرق يشد بعضها بعضاً : " إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن النصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا فرقة واحدة . قالوا : ومن هم يا رسول الله ، قال : " ما أنا عليه وأصحابى " واسم الإِشارة فى قوله { ولذلك خَلَقَهُمْ } يعود على المصدر المفهوم من مختلفين قال الآلوسى : فكأنه قيل : وللاختلاف خلق الناس ، على معنى لثمرة الاختلاف من كون فريق فى الجنة وفريق فى السعير خلقهم .
واللام لام العاقبة والصيرورة ، لأن حكمة خلقهم ليس هذا ، لقوله - سبحانه - { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ولأنهم لو خلقهم له - أى للاختلاف - لم يعذبهم على ارتكاب الباطل .
ومنهم من جعل الإِشارة إلى الرحمة لأنها أقرب مذكور ، فيكون التقدير : إلا من رحم ربك ولرحمته - سبحانه - خلق الناس .
وصح تذكير اسم الإِشارة مع عودته إلى الرحمة لكون تأنيثها غير حقيقى .
ومنهم من جهل الإِشارة إلى مجموع الاختلاف والرحمة ، لأنه ما مانع من الإِشارة بها إلى شيئين كما فى قوله { عَوَانٌ بَيْنَ ذلك } أى بين الفارض والبكر .
فيكون المعنى : " وللاختلاف والرحمة خلقهم " أى أنه - سبحانه - خلق أهل الرحمة للرحمة وأهل الاختلاف للاختلاف .
وقد رجح الإِمام القرطبى هذا الوجه فقال : قوله " ولذلك خلقهم " قال الحسن ومقاتل وعطاء :
الإِشارة إلى الاختلاف ، أى : وللاختلاف خلقهم . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك .
الإِشارة إلى الرحمة : أى : ولرحمته خلقهم .
وقيل : الإِشارة إلى الاختلاف والرحمة ، وقد يشار بذلك إلى شيئين متضادين ، كما فى قوله - تعالى - { والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } وهذا أحسن الأقوال - إن شاء الله - لأنه يعم . أى : ولما ذكر خلقهم . . أى : خلقهم ليكون فريق فى الجنة وفريق فى السعير . أى خلق أهل الاختلاف للاختلاف وأهل الرحمة للرحمة . .
والمراد بكلمة ربك فى قوله - سبحانه - { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ } فاللازم دخول جميع تابعيه فى جهنم ، والقرآن يفسر بعضه بعضا . .
يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كُلِّهم أمة واحدة ، من إيمان أو كفران{[14991]} كما قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } [ يونس : 99 ] .
وقوله : { وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } أي : ولا يزال الخُلْفُ بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم .
قال{[14992]} عكرمة : { مُخْتَلِفِينَ } في الهدى{[14993]} . وقال الحسن البصري : { مُخْتَلِفِينَ } في الرزق ، يُسخّر بعضهم بعضا ، والمشهورُ الصحيح الأول .
وقوله : { إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } أي : إلا المرحومين من أتباع الرسل ، الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين{[14994]} . أخبرتهم به رسل الله إليهم ، ولم يزل ذلك دأبهم ، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم الأمي خاتم الرسل والأنبياء ، فاتبعوه وصدقوه ، ونصروه ووازروه ، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة ؛ لأنهم الفرقة الناجية ، كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن ، من طرق يشد بعضها بعضا : " إن اليهود افترقت على إحدى{[14995]} وسبعين فرقة ، وإن النصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي{[14996]} على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا فرقة واحدة " . قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي " .
رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة{[14997]} وقال عطاء : { وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } يعني : اليهود والنصارى والمجوس { إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } يعني : الحنَيفيَّة .
وقال قتادة : أهلُ رحمة الله أهل الجماعة ، وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم ، وأهل معصيته أهل فرقة ، وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم .
وقوله : { وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } قال الحسن البصري - في رواية عنه - : وللاختلاف خَلَقهم .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : خلقهم فريقين ، كقوله : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 105 ] .
وقيل : للرحمة خلقهم . قال ابن وهب : أخبرني مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن طاوس ؛ أن رجلين اختصما إليه فأكثرا{[14998]} فقال طاوس : اختلفتما فأكثرتما{[14999]} ! فقال أحد الرجلين : لذلك خلقنا . فقال طاوس : كذبت . فقال : أليس الله يقول : { وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } قال : لم يخلقهم ليختلفوا ، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة . كما قال الحكم بن أبان ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب . وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة . ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] .
وقيل : بل المراد : وللرحمة والاختلاف خلقهم ، كما قال الحسن البصري في رواية عنه في قوله : { وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } قال : الناس مختلفون على أديان شتى ، { إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } فمن رحم ربك غير مختلف . قيل له : فلذلك خلقهم ؟ [ قال ]{[15000]} خلق هؤلاء لجنته ، وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .
وكذا{[15001]} قال عطاء بن أبي رَبَاح ، والأعمش .
وقال ابن وَهْب : سألت مالكا عن قوله تعالى : { وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } قال : فريق في الجنة وفريق في السعير .
وقد اختار هذا القول ابن جرير ، وأبو عبيدة{[15002]} والفراء .
وعن مالك فيما رويناه عنه في التفسير : { وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } قال : للرحمة ، وقال قوم : للاختلاف .
وقوله : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره ، لعلمه التام وحكمته النافذة ، أن ممن{[15003]} خلقه من يستحق الجنة ، ومنهم من يستحق النار ، وأنه لا بد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين الجن والإنس ، وله الحجة البالغة والحكمة التامة . وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اختصمت الجنة والنار ، فقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضَعَفَةُ الناس وسَقطُهم ؟ وقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . فقال الله عز وجل للجنة ، أنت رحمتي أرحم بك من أشاء . وقال للنار : أنت عذابي ، أنتقم بك ممن أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما الجنة فلا يزال فيها فضل ، حتى ينشئ الله لها خلقا يسكن فضل الجنة ، وأما النار فلا تزال تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع عليه ربّ العزة قَدمه ، فتقول : قَطْ قط ، وعزتك " {[15004]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاّ مَن رّحِمَ رَبّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ولو شاء ربك ، يا محمد ، لجعل الناس كلها جماعة واحدة على ملة واحدة ودين واحد . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةٍ } ، يقول : لجعلهم مسلمين كلهم .
وقوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، يقول تعالى ذكره : ولا يزال الناس مختلفين ، { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } .
ثم اختلف أهل التأويل في الاختلاف الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به ، فقال بعضهم : هو الاختلاف في الأديان . فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتّى من بين يهودي ونصراني ومجوسي ، ونحو ذلك . وقال قائلو هذه المقالة : استثنى الله من ذلك من رحمهم ، وهم أهل الإيمان . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : اليهود والنصارى والمجوس . والحنيفية : هم الذين رحم ربك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا قبيصة ، قال : حدثنا سفيان ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : اليهود والنصارى والمجوس ، { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : هم الحنيفية .
حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا منصور بن عبد الرحمن ، قال : قلت للحسن : قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : الناس مختلفون على أديان شتى ، { إلا من رحم ربك } ، فمن رحم غير مختلفين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحق .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .
. . . قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن منصور بن عبد الرحمن ، قال : سئل الحسن عن هذه الآية : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : الناس كلهم مختلفون على أديان شتّى . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، فمن رحم غير مختلف . فقلت له : { ولذلك خلقهم } ؟ فقال : خلق هؤلاء لجنته ، وهؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .
. . . قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحقّ .
قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الحقّ وأهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحق .
قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك : { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحقّ ليس فيهم اختلاف .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا بن يمان ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : اليهود والنصارى . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل القبلة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن ابن عباس : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحقّ .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : لا يزالون مختلفين في الهوى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، فأهل رحمة الله أهل جماعة وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم ، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : من جعله على الإسلام .
قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا الحسن بن واصل ، عن الحسن : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل ، { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } .
قال : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحقّ .
حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا يزالون مختلفين في الرزق ، فهذا فقير وهذا غنّى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، أن الحسن قال : مختلفين في الرزق ، سخر بعضهم لبعض .
وقال بعضهم : مختلفين في المغفرة والرحمة ، أو كما قال .
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ولا يزال الناس مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتّى ، { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، فآمن بالله وصدّق رسله ، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله وتصديق رسله وما جاءهم من عند الله .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك ، لأن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله : { وَتَمّتْ كِلمَةُ رَبّكَ لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ والنّاسِ أجمَعِينَ } ، ففي ذلك دليل واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس ، إنما هو خبر عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار ، ولو كان خبرا عن اختلافهم في الرزق لم يعقب ذلك بالخبر عن عقابهم وعذابهم .
وأما قوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : وللاختلاف خلقهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : للاختلاف .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا منصور بن عبد الرحمن ، قال : قلت للحسن : { ولذلك خلقهم } ؟ فقال : خلق هؤلاء لجنته ، وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عليه ، عن منصور ، عن الحسن ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا المعلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن الحسن . بنحوه .
قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن خالد الحذّاء ، أن الحسن قال في هذه الآية : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : خلق هؤلاء لهذه ، وخلق هؤلاء لهذه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، قال : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافا يضرّهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : خلقهم فريقين : فريقا يرحم فلا يختلف ، وفريقا لا يَرْحم يختلف ، وذلك قوله : { فَمِنْهُمْ شَقيّ وَسَعِيدٌ } .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : يهود ونصارى ومجوس . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : من جعله على الإسلام . { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : مؤمن وكافر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا أشهب ، قال : سئل مالك عن قول الله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : خلقهم ليكونوا فريقين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وللرحمة خلقهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : للرحمة .
حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال للرحمة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : أخبرنا أبو حفص ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : للرحمة خلقهم .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : للرحمة خلقهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عمن ذكره عن ثابت ، عن الضحاك : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : للرحمة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني الحكم بن أبان ، عن عكرمة : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : أهل الحقّ ومن اتبعه لرحمته .
حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ وَلذلكَ } ، قال : للرحمة خَلَقَهُمْ ولم يخلقهم للعذاب .
وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم ؛ لأن الله جلّ ذكره ذكر صنفين من خلقه : أحدهما : أهل اختلاف وباطل ، والآخر : أهل حقّ ، ثم عقب ذلك بقوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، فعمّ بقوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، صفة الصنفين ، فأخبر عن كلّ فريق منهما أنه ميسر لما خلق له .
فإن قال قائل : فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت ، فقد ينبغي أن يكون المختلفون غير ملومين على اختلافهم ، إن كان لذلك خلقهم ربهم ، وأن يكون المتمتعون هم الملومين ؟ قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت ، وإنما معنى الكلام : ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، فهداه للحقّ ولعلمه ، وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكافر ، والشقّي والسعيد ، خلقهم ، فمعنى اللام في قوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، بمعنى : «على » ، كقولك للرجل : أكرمتك على برّك بي ، وأكرمتك لبرّك بي .
وأما قوله : { وَتمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ والنّاسِ أجمَعِينَ } ، لعلمه السابق فيهم أنهم يستوجبون صِلِيّها بكفرهم بالله ، وخلافهم أمره . وقوله : { وَتمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ } ، قسم كقول القائل : حلفى لأزورنك ، وبدا لي لآتينك ، ولذلك تُلُقَِّيت بلام اليمين .
وقوله : { مِنَ الجِنّةِ } ، وهي : ما اجتنّ عن أبصار بني آدم والناس ، يعني : وبني آدم . وقيل : إنهم سموا جنة ، لأنهم كانوا على الجنان . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي مالك : وإنما سموا الجنة أنهم كانوا على الجنان ، والملائكة كلهم جِنة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي مالك ، قال : الجِنّة : الملائكة .
وأما معنى قول أبي مالك هذا : إن إبليس كان من الملائكة ، والجنّ ذرّيته ، وأن الملائكة تسمى عنده الجنّ ، لما قد بيّنت فيما مضى من كتابنا هذا .
{ إلا من رحم ربك } إلا ناسا هداهم الله من فضله فاتفقوا على ما هو أصول دين الحق والعمدة فيه . { ولذلك خلقهم } إن كان الضمير ل { الناس } فلإشارة إلى الاختلاف ، واللام للعاقبة أو إليه وإلى الرحمة ، وإن كان لمن فإلى الرحمة . { وتمّت كلمة ربك } وعيد أو قوله للملائكة . { لأملأن جهنم من الجِنّة والناس } أي من عصاتهما { أجمعين } أو منهما أجمعين لا من أحدهما .
وقوله : { ولذلك خلقهم } اختلف فيه المتأولون ، فقالت فرقة : ولشهود اليوم المشهود - المتقدم ذكره- خلقهم ، وقالت فرقة : ذلك إشارة إلى قوله - قبل - { فمنهم شقي وسعيد } [ هود : 105 ] أي لهذا خلقهم .
قال القاضي أبو محمد : وهذان المعنيان وإن صحا فهذا العود المتباعد ليس بجيد ؛ وروى أشهب عن مالك أنه قال : ذلك إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير .
قال القاضي أبو محمد : فجاءت الإشارة بذلك إلى الأمرين : الاختلاف والرحمة وقد قاله ابن عباس واختاره الطبري ، ويجيء - عليه - الضمير في { خلقهم } للصنفين ، وقال مجاهد وقتادة ذلك عائد على الرحمة التي تضمنها قوله : { إلا من رحم } ، أي وللرحمة خلق المرحومين ، قال الحسن ، وذلك إشارة إلى الاختلاف الذي في قوله : { ولا يزالون مختلفين } .
قال القاضي أبو محمد : ويعترض هذا بأن يقال : كيف خلقهم للاختلاف ؟ وهل معنى الاختلاف هو المقصود بخلقهم ؟ فالوجه في الانفصال أن نقول : إن قاعدة الشرع أن الله عز وجل خلق خلقاً للسعادة وخلقاً للشقاوة ، ثم يسر كلاًّ لما خلق له ، وهذا نص في الحديث الصحيح{[6540]} وجعل بعد ذلك الاختلاف في الدين على الحق هو أمارة الشقاوة وبه علق العقاب ، فيصح أن يحمل قوله هنا{[6541]} وللاختلاف خلقهم : أي لثمرة الاختلاف وما يكون عنه من الشقاوة . ويصح أن يجعل اللام في قوله : { ولذلك } لام الصيرورة أي وخلقهم ليصير أمرهم إلى ذلك ، وإن لم يقصد بهم الاختلاف .
قال القاضي أبو محمد : ومعنى قوله { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }{[6542]} أي لآمرهم بالعبادة ، وأوجبها عليهم{[6543]} ، فعبر عن ذلك بثمرة الأمر ومقتضاه .
وقوله ، { وتمت كلمة ربك } أي نفذ قضاؤه وحق أمره ، واللام في { لأملأن } لام قسم إذ «الكلمة » تتضمن القسم{[6544]} . و «الجن » جمع لا واحد له من لفظه وهو من أجن إذا ستر و «الهاء » في { بالجنة } للمبالغة . وإن كان الجن يقع على الواحد فالجنة جمعه{[6545]} .
لمّا أشعر الاختلاف بأنه اختلاف في الدّين ، وأنّ معناه العدول عن الحق إلى الباطل ، لأنّ الحق لا يقبل التعدّد والاختلاف ، عُقّب عموم { ولا يزالون مختلفين } باستثناء من ثبتوا على الدين الحق ولم يخالفوه بقوله : { إلاّ من رحم ربك } ، أي فعصمهم من الاختلاف .
وفهم من هذا أنّ الاختلاف المذموم المحذّر منه هو الاختلاف في أصول الدّين الذي يترتّب عليه اعتبار المخالف خارجاً عن الدين وإن كان يزعم أنّه من مُتّبعيه ، فإذا طرأ هذا الاختلاف وجب على الأمّة قصمه وبذل الوسع في إزالته من بينهم بكلّ وسيلة من وسائل الحقّ والعدل بالإرشاد والمجادلة الحسنة والمناظرة ، فإنْ لم ينجع ذلك فبالقتال كما فعل أبو بكر في قتال العرب الذين جحدوا وجوب الزكاة ، وكما فعل عليّ كرّم الله وجهه في قتال الحروريّة الذين كفّروا المسلمين . وهذه الآية تحذير شديد من ذلك الاختلاف .
وأما تعقيبه بقوله : { ولذلك خلقهم } فهو تأكيد بمضمون { ولا يزالون مختلفين } . والإشارة إلى الاختلاف المأخوذ من قوله : { مختلفين } ، واللاّم للتعليل لأنّه لمّا خلقهم على جِبِلّة قاضية باختلاف الآراء والنزعات وكان مريداً لمقتضى تلك الجبلّة وعالماً به كما بيّناه آنفاً كان الاختلاف علّة غائية لخلقهم ، والعلّة الغائية لا يلزمها القصر عليها بل يكفي أنها غاية الفعل ، وقد تكون معها غايات كثيرة أخرى فلا ينافي ما هنا قولُه : { وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون } [ الذاريات : 56 ] لأنّ القصر هنالك إضافيّ ، أي إلاّ بحالة أن يعبدوني لا يشركوا ، والقصر الإضافي لا ينافي وجود أحوال أخرى غير ما قُصدَ الردّ عليه بالقصر كما هو بيّن لمن مارس أساليب البلاغة العربية .
وتقديم المعمول على عامله في قوله : { ولذلك خلقهم } ليس للقصر بل للاهتمام بهذه العلّة ، وبهذا يَندفع ما يوجب الحيرة في التفسير في الجمع بين الآيتين .
ثم أعقب ذلك بقوله : { وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنم من الجِنّة والنّاس أجمعين } لأنّ قوله : { إلاّ من رحم ربّك } يؤذن بأنّ المستثنى منه قوم مختلفون اختلافاً لا رحمة لهم فيه ، فهو اختلاف مضاد للرحمة ، وضدّ النعمة النقمة فهو اختلاف أوجب الانتقام .
وتمام كلمة الرب مجاز في الصّدق والتحقّق ، كما تقدّم عند قوله تعالى : { وتمّت كلمات ربّك صدقاً وعدلاً } في سورة [ الأنعام : 115 ] ، فالمختلفون هم نصيب جهنم .
والكلمة هنا بمعنى الكلام . فكلمة الله : تقديره وإرادته . أطلق عليها كلمة } مجازاً لأنّها سبب في صدور كلمة ( كن ) وهي أمر التكوين . وتقدّم تفصيله في قوله تعالى : { وتمّت كلمات ربّك صدقاً وعدلاً } في سورة [ الأنعام : 115 ] .
وجملة { لأملأنّ جهنّم } تفسير للكلمة بمعنى الكلام . وذلك تعبير عن الإرادة المعبّر عنها بالكلام النفسي .
ويجوز أن تكون الكلمة كلاماً خَاطَبَ به الملائكةَ قبل خلق الناس فيكون { لأمْلأنّ جهنّم } تفسيراً ل { كلمة } .
و { من الجِنّة والنّاس } تبعيض ، أي لأمْلأن جهنم من الفريقين . و { أجمعين } تأكيد لشمول تثنية كِلا النوعين لاَ لِشُمُول جميع الأفراد لمنافاته لمعنى التبعيض الذي أفادته { من } .