فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (119)

{ إِلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ } بالهداية إلى الدين الحق ، فإنهم لم يختلفوا ، أو إلا من رحم ربك من المختلفين في الحق أو دين الإسلام ، بهدايته إلى الصواب الذي هو حكم الله ، وهو الحق الذي لا حق غيره ، أو إلا من رحم ربك بالقناعة . والأولى تفسير { لجعل الناس أمة واحدة } بالمجتمعة على الحق حتى يكون معنى الاستثناء في { إِلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ } واضحاً غير محتاج إلى تكلف { ولذلك } أي : لما ذكر من الاختلاف { خَلْقَهُمْ } أو ولرحمته خلقهم . وصحّ تذكير الإشارة إلى الرحمة لكون تأنيثها غير حقيقي . والضمير في خلقهم راجع إلى الناس ، أو إلى من في من رحم ربك ؛ وقيل : الإشارة بذلك إلى مجموع الاختلاف والرحمة ، ولا مانع من الإشارة بها إلى شيئين كما في قوله : { عَوَان بَيْنَ ذلك } { وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً } { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } . قوله : { وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّكَ } معنى تمت ثبتت ، كما قدّره في أزله ، وإذا تمت امتنعت من التغيير والتبديل ، وقيل : الكلمة هي قوله : { لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ } أي : ممن يستحقها من الطائفتين .

/خ123