الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (119)

{ إلا من رحم ربك }[ 119 ] : أي : لكن من رحم ربك فإنه غير مختلف{[33463]} . وقيل : { إلا من رحم ربك } : أهل الإيمان والإسلام .

وقوله : { ولذلك خلقهم } قال الحسن : للاختلاف{[33464]} في الأرزاق{[33465]} خلقهم{[33466]} . وقال ابن عباس : خلقهم فريقين ، فريقا يرحم ، وفريقا لا يرحم يختلف ، وذلك قوله : { فمنهم شقي وسعيد }{[33467]} .

وقال عطاء : ولذلك خلقهم : يعني : مؤمنا وكافرا{[33468]} . وقال أشهب{[33469]} : سألت مالكا ، رحمه الله ، عن قوله : { ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } فقال : خلقهم ليكونوا فريقا في الجنة ، وفريقا في السعير{[33470]} .

ففي الكلام على هذا القول تقديم وتأخير ، والتقدير{[33471]} : ( إلا من رحم ربك ، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ، ولذلك{[33472]} خلقهم ){[33473]} . وقد{[33474]} كان يجب في قياس العربية على هذا التقدير أن يكون اللفظ : وتمت كلمته .

وروى ابن وهب : عن عمر بن عبد العزيز{[33475]} رضي الله عنهما : أنه قال في معنى الآية : خلق الله أهل رحمته لئلا{[33476]} يختلفوا{[33477]} .

وقيل : المعنى : وللرحمة{[33478]} خلقهم . والرحمة ، والرحم واحدة ، فلذلك ذكر . قاله مجاهد ، وقتادة ، والضحاك{[33479]} .

وروي أيضا ذلك عن ابن عباس{[33480]} ، وقيل : إن هذا متعلق بما{[33481]} قبله ، وهو قوله : { ينهون عن الفساد في الأرض }[ 116 ] ، ولذلك خلقهم . ( وقيل : هو متعلق بما قبله بقوله : { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين }[ 119 ] ، ولذلك خلقهم ){[33482]} : وهو قول مالك المتقدم{[33483]} .

وقيل : المعنى : وللإسعاد{[33484]} خلقهم ، وقيل : للإسعاد والإشقاء{[33485]} خلقهم .

ثم قال تعالى : { وتمت كلمة ربك } : أي : وجبت { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين }[ 119 ] : لما{[33486]} تقدم في علمه أنهم يستوجبون ذلك{[33487]} . وقوله : { من الجنة } : يعني : ما اجتن عن عيون بني آدم{[33488]} من الجن والناس ، يعني : بني آدم أجمعين ، وذلك على التوكيد .

وقيل : إنما سموا ( جنة ) لأنهم كانوا على الجنان{[33489]} . والملائكة كلهم جنة لاستتارهم{[33490]} .


[33463]:انظر هذا التوجيه في: تفسير مجاهد 392.
[33464]:ط: وللاختلاف.
[33465]:ط: مطموس.
[33466]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/534.
[33467]:هود: 105 وانظر هذا القول في: جامع البيان 15/536.
[33468]:وعزاه في جامع البيان 15/536 إلى الأعمش.
[33469]:هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي، تفقه بمالك، وبالمدنيين، وبالمصريين، وإليه انتهت رياسة المذهب بمصر (ت 204) انظر: طبقات الفقهاء 155، والوفيات 1/238.
[33470]:انظر هذا القول في: تفسير مجاهد 392، وجامع البيان 15/536، وأحكام ابن العربي 3/1072، والاعتصام 2/165، والبيان والتحصيل 18/353.
[33471]:ط: تقول. ق: والتقديم.
[33472]:ق: فلذلك.
[33473]:وهو أيضا قول المهدوي كما في: الجامع 9/76.
[33474]:ساقط من ق.
[33475]:ط: مطموس.
[33476]:ط: ألا يختلفوا. ق: لا يختلفوا.
[33477]:وفي الاعتصام 1/62: روى ابن وهب عن عمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنس أن أهل الرحمة لا يختلفون.
[33478]:ط: الرحمة.
[33479]:انظر هذه الأقوال في: جامع البيان 15/537، والجامع 9/76.
[33480]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/537، ولم ينسبه في معاني الزجاج 3/84.
[33481]:ق: لما.
[33482]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[33483]:انظر: الهامش الثامن من الصفحة السابقة.
[33484]:ط: وللاستعاد. ق: والإشهاد.
[33485]:ق: والشقاء.
[33486]:ق: بما.
[33487]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/538.
[33488]:انظر المصدر السابق.
[33489]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/538.
[33490]:وهو قول أبي مالك في: جامع البيان 15/538.