{ إلا من رحم ربك } أي المحسن إليك بالتأليف بينهم في جعلهم من أهل طاعتك فإنهم لا يختلفون في أصول الحق{[40320]} . ولما كان ما تقدم ربما أوجب أن يقال : لمَ لم يُقبل بقلوبهم إلى الهدى ويصرفهم عن موجبات الردى إذا كان قادراً ؟ قال تعالى مجيباً عن ذلك : { ولذلك } أي الاختلاف { خلقهم } أي اخترعهم وأوجدهم من العدم وقدرهم{[40321]} ، وذلك أنه لما طبعهم سبحانه على خلائق من الخير والشر تقتضي الاختلاف لتفاوتهم فيها ، جعلوا كأنهم خُلقوا له فجروا مع القضاء والقدر ، ولم يمكنهم الجري على ما تدعو إليه العقول في{[40322]} أن الاتفاق رحمة والاختلاف نقمة ، فاستحق فريق منهم النار وفريق الجنة ، وليس ذلك مخالفاً لقوله تعالى :{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }{[40323]}[ الذاريات : 56 ] بل هو من شكله ، أي أنه تعالى لما ركبهم على العجز ومنحهم العقول مع نصب الأدلة ، كان ذلك مهيئاً للعبادة فكانوا كأنهم ما خلقوا إلا لها أي ما خلقتهم{[40324]} إلا ليعرفون بنفوذ أقضيتي وتصاريفي فيهم فيعبدون ، أي {[40325]}يخضعوا لي{[40326]} فمن كان منهم طائعاً فهو عابد حقيقة ، ومن كان عاصياً كان عابداً مجازاً ، أي خاضعاً للأمر لنفوذه فيه وعجزه عن الامتناع كما قال تعالى{ ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً }{[40327]}[ الرعد : 15 ] ، فقد بان أن خلقهم للعبادة فقط ينافي خلقهم للاختلاف ، لأن جريهم في قضائه بالاختلاف عبادة وسجود لغة ، وذلك أن مادتي عبد وسجد تدوران{[40328]} على الخضوع والذل والانقياد ، وبذلك كان الكل عبيد الله ، أو{[40329]} الإشارة إلى مجمع الاتفاق والاختلاف ليظهر فضله على من ثبتهم ويظهر عدله فيمن خذلهم .
ولما كان هذا الاختلاف سبب الكفر الذي أرسل رسله بالقتال عليه ، كان ربما ظن أنه بغير مشيئته ، فبين أنه إنما{[40330]} هو بمراده ولا اعتراض عليه فقال : { وتمت } أي فبادروا إلى ما خلقهم لهم{[40331]} معرضين عن أوامره ولم تغن عنهم عقولهم ، وتمت حينئذ { كلمة ربك } أي المحسن إليك بقهر أعدائك التي سبقت في الأزل وهي وعزتي { لأملأن جهنم } أي{[40332]} التي تلقى{[40333]} المعذب فيها بالتجهم{[40334]} والعبوسة { من الجنة } أي قبيل الجن ، قدمهم لأنهم أصل في الشر ، ثم عم فقال : { والناس أجمعين* } فمشوا{[40335]} على ما أراد{[40336]} ولم يمكنهم مع عقولهم الجيدة الاستعدد وقواهم الشداد غير إلقاء القياد ، فمن قال : إنه يخلق فعله أو له قدرة على شيء{[40337]} فليفعل غير ذلك بأن يخبر باتفاقهم ثم يفعله ليتم قوله .
وإلا فليعلم أنه مربوب مقهور فيسمع رسالات ربه إليه بقالبه وقلبه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.